بالعلم والإيمان والعمل والأخلاق تنهض الأمة
نعيش، هذه الأيام، مع أبنائنا الطلبة في جميع مستوياتهم وتخصصاتهم أيام امتحانات، ما يتطلب منا تشجيعهم ومساعدتهم وتهيئة الظروف المناسبة لهم للقيام بواجباتهم الدراسية على أحسن ما يرام، كي يحققوا لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم وأمتهم النجاح المنشود. وواجب الأسرة أن تدفع أبناءها إلى طلب العلم وترغبهم فيه، وتحفزهم على التفوق والنبوغ حتى يرتقوا بأنفسهم ومجتمعاتهم وينهضوا بأمتهم.
ولا يمكن أن تتقدم الأمة الجزائرية وتتحقق نهضتها ويتحسن دورها الحضاري في العالم، ما لم تحقق جملة من العوامل والشروط، ولا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا ريادتهم الحضارية إلا بالعلم. وإن أهم ما يجب أن يتسلح به المسلم لبناء دور حضاري رائد هو الأخذ بأسباب العلم، ومنها العلم بواقعنا المعاصر، والتخصص الدقيق في شُعب المعرفة؛ لأن التخصص قد غدا من فروض الكفاية.
وإن معرفة سنن الله في النفس والمجتمعات عامل رئيس في الوصول إلى الشهود الحضاري، وليس المهم كثرة العمل، وإنما العمل الصالح النافع، وهو العمل المقترن بالعلم، فيجب أن يستند العمل إلى العلم لضمان صحته ونفعه وقبوله. عن ابن القاسم قال عن الإمام مالك: سمعت مالكًا يقول: “إن قوما ابتغوا العبادة، وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم، ولو ابتغوا العلم، لحجزهم عن ذلك”.
إن عالمنا الإسلامـي يحتاج إلى نهضة شاملة كاملة في الزراعة والصناعة وجميع مرافق الحياة، إن أمتنا تعيش مشلولة الحركة حين البأس إذا لم يكن على أرضها المصنع الذي يمدها بما تحتاج إليه، كما تعيش منكسة الرأس إذا لم تتعلم كيف تستغني بما أعطاها الله من الغير وتحكمهم فينا.
إن من أسباب صلاح الأمة واستقامة حالها العناية، كل العناية، بالتعليم والتربية، فأمتنا بأمسّ حاجة إلى مناهج مؤصلة تأصيلا صحيحا مبنية على قواعد علمية صحيحة، حتى تكون مناهج نافعة ومناهج مثمرة ومناهج مؤثرة تقضي على أسباب التخلف والفرقة والاختلاف، مناهج تربط حاضرنا بماضينا، وتعلم حاضرنا بسيرة ماضينا وأمجاده الخالدة.
إن أمتنا الإسلامية تملك من المقوّمات ما يحفظ شخصيتها، وتملك من الأسباب ما يحقق نهضتها من نعم الله التي لا تحصى، والأمر يتوقف على مدى المحافظة على هذه المقوّمات، وضرورة الأخذ بالأسباب، وسنة الله لا تجامل أحدا ولا تحابي، والله لا يغيّر ما بنا حتى نغيّر ما بأنفسنا.
ومن أهم أسباب النهوض الحضاري الإيمان والتمسك بثوابت الأمة، حيث يعتبر ديننا الإسلامي المسلمين أمة واحدة تجمعها العقيدة ويشارك بعضها بعضا في الآلام والآمال، ولكي تستطيع هذه الأمة أن تنهض برسالتها وأن تؤدي ما أوجب الله عليها؛ لابد أن تعمل دائما على تحقيق الأسباب التي تعينها على ذلك، وأن تحافظ على المقوّمات الأصيلة الثابتة التي تميّز شخصيتها وتجعلها أمة دعوة ورسالة.
إن الحضارة لا قيام لها إلا بالعلم، والتميّز الإيجابي الذي يطالبنا به الإسلام لا يكون في شكل الملبس ولونه، وإنما بالتفوّق بالعلم والعمل. والعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه، فعلى طالب العلم كما يجدّ في الطلب أن يجدّ في العمل، فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه، ولقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم العاملين بما علموا، قال تعالى {فبشر} أجر العاملين، وحذرنا الله عز وجل من أن نقول ما لا نفعل.
وقد ورد في الحديث: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”؛ والتفوّق في مجال ما هو دليل الإخلاص في العمل، وهذا هو غاية الإتقان. يوجد ميثاق قوي يربط العلم بالعمل وبالأخلاق، ما يساعد في النهاية على تقدم الأمم ورقي المجتمع بشكل عام، والإسلام يحرص من خلال منظومته الأخلاقية على بناء شخصية المسلم على قيم وأخلاقيات رفيعة، حتى تستقيم حياته ويؤدي رسالته في الحياة، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه.
والأخلاق في الإسلام هي أخلاق عملية اجتماعية، وليست أخلاقا نظرية أو فردية مثالية مجردة، فالإسلام دين عمل وممارسة اجتماعية، وإن ما سعى إلى تحقيقه من أخلاق وسلوك هو متناسق مع أهدافه الكبرى في الحياة.
فمشروع النهضة يحتاج إلى جهد كل أبناء الأمة، حيث يكون كل جهد مبذول أو عمل صالح أو علم ينتفع به أو خير يقدمه المسلم لغيره أو لأمته بمثابة اللبنة في جدار النهضة والإصلاح. فإذا أرادت الأمة أن تستعيد أمجادها، وأن تضع أقدامها على طريق النهضة والتقدم، وأن تنافس الأمم الأخرى في ميادين العلم وساحة التنافس الحضاري، فعليها أن تعيد بناء الإنسان الذي يدفع بالمجتمع إلى عالم الشهود الحضاري.. والله من وراء القصد.