أمد/ قررت الحكومة اللبنانية بقيادة العماد جوزاف عون والقاضي نواف سلام اتخاذ قرارين تاريخين في ٥ و٧ آب يقضيان بحصر امتلاك السلاح واستعماله في واجب الدفاع الوطني بالدولة اللبنانية وقواتها العسكرية، وتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لتنفيذ القرارين قبل تاريخ الثاني من ايلول ٢٠٢٥ وتقديم جدول زمني لتسليم سلاح حزب الله قبل نهاية السنة الحالية ٢٠٢٥.
وفيما شرعت الاجهزة الامنية والجيش اللبناني بتسلم سلاح المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، بعد ان تسلمت من فصائل فلسطينية تتبع سورية قواعد وانفاق عسكرية في الناعمة وقوسايا ومنطقة راشيا، كما كانت بمساعدة قوات اليونيفل قد اخلت ٩٠% من مواقع ومخازن حزب الله جنوب الليطاني وعلى خط مواز لمجراه في منطقتي زوطر ويحمر الشقيف.
الاجراءات الحكومية اعلاه التي تميزت بالحزم والشجاعة والجدية، اتت التزاما رسميا لبنانيا، باتفاقية وقف الاعمال العدائية التي توصل اليها الرئيس بري بموافقة حزب الله ومصادقة حكومة الرئيس ميقاتي مع المبعوث الرئاسي الاميركي السابق هوكشتاين، كما تطورت لترسم مسارا ديبلوماسيا، يمكن الاتفاق عليه، لتحقيق اهداف محددة في ورقة توماس باراك الذي اصبح المبعوث الاميركي الجديد للرئيس دونالد ترامب في سورية وتركيا ولبنان. وتضمنت ورقة توماس باراك ١١ نقطة كخطة عُرِضَت، على لبنان وإسرائيل كحل لإنهاء النزاع بين الطرفين:
النص المفصل للخطة
بحسب ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” (Ynetnews)، فإن المقترح يُطلق عليه عنوان : “تمديد واستقرار إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، نوفمبر 2024″، ويتضمن الخطوات التالية:
1. التزام لبنان بتنفيذ اتفاق الطائف ودستور البلاد وقرارات الأمم المتحدة اللاّزمة، خصوصاً القرار 1701، والعمل على فرض السيادة الكاملة للدولة، وسيطرة الدولة الحصرية على القرار الحربي والسلم، وضمان بقاء السّلاح تحت سيطرة الدولة.
2. وقف شامل لإطلاق النار على الأرض والبحر والجو من خلال إجراءات منظمة نحو حل دائم.
3. تفكيك مرحلي لجميع الميليشيات المسلحة غير التابعة للدولة، وعلى رأسها حزب الله، بدعم دولي للجيش وقوى الأمن الداخلي.
4. نشر القوات العسكرية اللبنانية في المناطق الحدودية والمناطق الداخلية، بدعم دولي.
5. انسحاب إسرائيل من خمسة نقاط استراتيجية تحتلها في “المنطقة الأمنية” بعد الحرب الأخيرة.
6. عودة سكان القرى والبلدات الحدودية إلى ديارهم وممتلكاتهم.
7. انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية ووقف كل الأعمال العدائية.
8. ترسيم دائم وواضح للحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل.
9. ترسيم دائم لحدود لبنانسوريا.
10. عقد قمة اقتصادية بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر لدعم الاقتصاد اللبناني وإعماره.
11. تقديم دعم دولي للقوات الأمنية اللبنانية، وخاصة الجيش، من خلال مساعدات عسكرية لتطبيق الاتفاق وحماية البلاد.
ويتضمن المقترح إطارا زمنيا يبدأ بمرحلة تمهيدية مدتها 15 يومًا تُصادق خلالها الحكومة اللبنانية رسميًا على أهداف الوثيقة، بما في ذلك تعهد بتفكيك حزب الله بحلول 31 ديسمبر 2025. يُقابل ذلك تعاون دولي في صورة مساعدات مالية واستثمارية.
أهداف ومضمون الخطة باختصار:
• إعادة فرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بما في ذلك الجهات التي يسيطر عليها حزب الله.
• إنهاء الاحتلال الإسرائيلي جزئيًا أو كليًا للمواقع الاستراتيجية داخل لبنان.
• تفكيك السلاح غير الرسمي ودمجه أو تسليمه إلى الدولة.
• إعادة الحياة إلى المناطق المتأثرة من النزاع، عبر إعادة السكان ودعم اقتصادي واستثماري.
• خلق نظام أمني قائم على الجيش اللبناني بدلاً من الوجود المسلح غير الرسمي.
• رسْم حدود واضحة وثابتة مع كل من إسرائيل وسوريا.
• خطة دولية لإعادة الإعمار تشمل دولاً مثل الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر.
وازاء هذه الطروحات والتطورات جاء رفض حزب الله وإيران عنيفا وقاطعا : فقد أكّد أمينه العام، نعيم قاسم، أن حزب الله لن يتخلى عن سلاحه “ما دامت إسرائيل مستمرة في عدوانها”، معتبرًا أن مطالبة الحكومة بتسليم السلاح تُعد بمثابة “استسلام ” .وفي الذكرى السنوية لاستهداف قيادات بالحزب، اضاف قاسم في 15 أغسطس 2025 بأن حزب الله لن يسلّم أسلحته مطلقًا، مشددًا على أن محاولة مواجهته “ستجلب الموت للبنان” . وعلى الرغم من ذلك، فثمة من يعتقد أن الحزب قد يكون مستعدًا للنظر في موضوع نزعه للسلاح بشرط انسحاب إسرائيل الكامل من المواقع المتنازع عليها ووقف القصف.
اما الموقف الإيراني فقد اعلن على لسان علي لاريجاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عندما زار بيروت قبل أيام قليلة من وصول باراك. وقد جاء في الرسالة الإيرانية أن أسلحة حزب الله هي “خط أحمر” ووسيلة ضرورية للمقاومة ضد إسرائيل . وتتمسك إيران بشكل واضح بدور حزب الله كقطاع مهم في استراتيجيتها الإقليمية، وتعتبر أن إزالة السلاح يعني إضعافًا لها ولدورها في لبنان والمنطقة. وقد اكدت هذه الوجهة التصريحات الرسمية التي اعلنها علي أكبر ولايتي (مستشار المرشد الأعلى) الذي وصف قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله بأنه “محكوم بالفشل”، معتبرًا أن المقاومة كانت وستبقى قوية، وأن تجربة نزع السلاح سبق وأن فشلت، وسيحدث الأمر نفسه هذه المرة أيضًا . وقد أثار التصريح استنكارًا رسميًا من لبنان، حيث دانت وزارة الخارجية اللبنانية هذا الكلام واعتبرته “تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية” .فيما شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقاءه مع المسؤول الإيراني علي لاريجاني على أن لبنان يرفض أي تدخل أجنبي في شؤونه الداخلية، وأن العلاقة مع إيران يجب أن تُبنى على السيادة والاحترام المتبادل.
لم يكونا موقفي ايران وحزب الله مقبولان لكنهما كانا منتظران، وكان يمكن تجاوزهما، اذا نجحت الحكومة في تحييد الرئيس نبيه بري وحركة امل، او في تبلور دينامية شعبية في الساحة الشيعية تساند مسيرة العهد لبناء الدولة واستعادة سيادتها، لكن الانقلاب على المسار الديبلوماسي وتفريغ مهمة باراك من معناها، وتحميلها ما لم يكن فيها، اتى من الجانب الاميركي وبدعم من نتن ياهو وانصاره في واشنطن .
في زيارته ما قبل الاخيرة ثمن توماس باراك قرارات الحكومة اللبنانية ايجابا واعتبر ان على اسرائيل ان تقدم خطوة مقابلة، للسير قدما في تنفيذ مسار الحل والاستقرار، الا ان الرد الاسرائيلي جاء سلبيا ومزدوجا، فمن جهة اولى لم تلتزم إسرائيل كما كان منتظرا باي انسحاب، بل ب “خفض متدرج لتواجد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان بالتنسيق مع آلية أمنية تقودها الولايات المتحدة”.
كما تعرض باراك نفسه، من جهة ثانية، لانتقادات حادة لخياراته في سورية ولبنان على السواء من اوساط اميركية قريبة من نتنياهو، واتهم بانه يتواطئ مع حكومة الشرع وينفذ اهدافها، في الحفاظ على سورية موحدة وليست مقسمة الى اقاليم متناثرة، وفي ادارة مفاوضات مع اسرائيل، سقفها تفاهم امني، يمنع قيام كيان درزي منفصل، ويعيد احياء اتفاق سنة ١٩٧٤ لفصل القوات في الجولان، من دون اجراء تطبيع وشيك مع اسرائيل، كما اتهم باراك بانه يتبع سياسة غير حازمة في وجه حزب الله، ولذلك كان الانزال الاميركي المعزز بانصار نتنياهو الى لبنان؛ وقد ضم مورغان اورتاغوس، التي صرحت؛ لقد تحمّسنا كثيرًا للقرار التاريخي للحكومة منذ بضعة أسابيع، لكن الآن ليس وقت الكلمات، بل وقت العمل.”
وشدّدت على ضرورة الانتقال من التصريحات إلى التنفيذ الفعلي. والسناتور جين شاهين وهي سياسية أمريكية بارزة تنتمي للحزب الديمقراطي، خدمت منذ عام 2009 كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيوهامبشير .
إضافة الى السناتور ليندسي غراهام الذي شدد على أن “أجندة حزب الله لا تتماشى مع مصالح الشعب اللبناني”، وأضاف، متبنيا موقف نتنياهو،” أن إمكان بدء انسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة المحتلة يُمكن أن يبدأ بمجرد نزع سلاح الحزب . وأكّد من تل أبيب بعد زيارة لبنان أنه “لقد حان وقت رحيل حزب الله”، وهدّد بما أسماها “خطة ب” وهي نزع السلاح بالقوة إذا فشلت الجهود السلمية . كما عرض إنشاء اتفاقية دفاعية بين الولايات المتحدة ولبنان وشراكه عسكرية، مشيرًا إلى أن دعم واشنطن والدعم الاقتصادي لن يكون جدّيًا طالما لم تُسلم المليشيا سلاحها.
وامعانا في تفخيخ المسار تمت اضافة فكرة المنطقة الاقتصادية الخالية من السكان في جنوب لبنان، الى ورقة باراك ومهمته، ولم تكن واردة فيها، ولم يكن موقف نتنياهو بالتنصل من الالتزام بانسحاب قواته من النقاط الخمس في الجنوب، ثم التوسع باحتلال ثلاثة نقاط جديدة سوى تتويج للانقلاب على ورقة باراك وبدفنها في مهدها.
اخيرا ما العمل؟
إن عدم وجود التزام اسرائيلي وايضا اميركي بتنفيذ ورقة باراك بشكل متقابل ومتزامن، يطرح على لبنان مشكلة كبيرة، تتلخص ب
١) ضرورة رفض التراجع عن قرار حصرية السلاح.
٢) بضرورة ضمان انسحاب اسرائيل الى وراء الخط الازرق.
لربط الضرورتين يتوجب عند عرض خطة الجيش في مجلس الوزراء والتي ستكون على مراحل ضمن فترات زمنية محددة. ان تكون المرحلة الاولى عمليا وزمنيا كبداية هي سيطرة الجيش على منطقة جنوب الليطاني وصولا للخط الازرق، وبالتنسيق مع اليونيفيل وتنفيذا لقرار مجلس الامن الاخير.
تعرض الخطة كاملة من مرحلتها الاولى الى مراحلها الاخرى، ويقوم مجلس الدفاع الاعلى عند نهاية كل مرحلة بتقييم الوضع واطلاق تنفيذ المرحلة التالية.
ان اختيار المرحلة الاولى بهذا الشكل سيضع الانسحاب الاسرائيلي على جدول اعمال نزع سلاح حزب الله.
إن هذا الربط بين الانسحاب الإسرائيلي وتنفيذ قرار حصرية السلاح قد يشكل الإطار الواقعي الوحيد القادر على لملمة الموقف السياسي اللبناني، وإعادة الاعتبار إلى معادلة سيادية صلبة : لا سلاح خارج الدولة، ولا احتلال فوق أرضها