أمد/ واشنطن: كشف تقرير جديد صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) عن تصدعات متزايدة داخل الحزب الجمهوري الأميركي بشأن العلاقة مع إسرائيل، في تطور لافت يعكس تحولات أيديولوجية ودينية وإعلامية داخل اليمين الأميركي، ويثير قلقًا متصاعدًا داخل الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة.

وبحسب التقرير، الذي حمل عنوان «المعركة حول إسرائيل داخل الحزب الجمهوري»، بدأت إسرائيل تتحول من قضية تحظى بإجماع واسع داخل الحزب الجمهوري إلى نقطة خلاف داخلية، مع تزايد أصوات تشكك في مدى انسجام الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل مع مبدأ «أميركا أولًا» الذي تتبناه قاعدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

تشقق في الائتلاف الجمهوري

وأوضح التقرير أن الحزب الجمهوري، الذي حافظ على درجة عالية من التماسك منذ إعادة انتخاب ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بدأ يشهد انقسامات داخلية، تمثلت في نقاشات علنية حول مكانة إسرائيل ضمن المصالح الأميركية، إضافة إلى جدل أوسع حول موقع اليهودية في المجتمع الأميركي.

وأشار إلى أن هذا الجدل برز بشكل خاص عبر منصات إعلامية يمينية كبرى، أتاحت المجال لشخصيات ومواد تحمل مواقف معادية لإسرائيل، وأحيانًا معادية للسامية، في ظاهرة كانت تُعد هامشية في السابق، لكنها باتت أكثر حضورًا، لا سيما بين المحافظين الشباب.

تصريحات مثيرة للجدل

وسلط التقرير الضوء على سلسلة من التصريحات الصادرة عن شخصيات يمينية بارزة، من بينها إعلاميون ومؤثرون سياسيون، شككوا علنًا في جدوى التحالف الأميركيالإسرائيلي، ووجّه بعضهم انتقادات حادة للقيادة الإسرائيلية. كما أشار إلى استضافة شخصيات معروفة بخطابها العنصري والمعادي للسامية على منصات إعلامية واسعة الانتشار، دون أن يواجه ذلك ردود فعل حاسمة من قيادة الحزب.

وفي السياق نفسه، أورد التقرير تصريحات لنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، أشار فيها إلى أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يجب أن يكون مشروطًا بتقاطع المصالح، وليس قائمًا على اعتبارات دينية أو تاريخية، وهو موقف اعتبره التقرير انعكاسًا لتنامي مقاربة «الواقعية السياسية» داخل أجنحة الحزب.

دور الدين والإعلام الجديد

وبيّن التقرير أن تصاعد هذه الظاهرة يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
أولها التحولات الأيديولوجية داخل التيار المحافظ، حيث يجادل بعض الجمهوريين بأن مبدأ «أميركا أولًا» يقتضي إعادة تقييم جميع التحالفات الخارجية، بما فيها إسرائيل.
وثانيها البعد الديني، مع تنامي نفوذ التيارات القومية المسيحية المحافظة التي لا تتبنى بالضرورة الرؤية الإنجيلية التقليدية الداعمة لإسرائيل.
أما العامل الثالث فيتعلق بالتحولات في المشهد الإعلامي الرقمي، حيث أسهمت خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي في تضخيم الخطاب المتطرف وإزالة الحواجز التقليدية أمام انتشاره.

تأثير حرب غزة وتغير مواقف الشباب

وأشار التقرير إلى أن الحرب المستمرة في غزة لعبت دورًا محوريًا في تغذية هذه الاتجاهات، مع انتشار واسع لصور المعاناة الإنسانية في الإعلام الغربي، ما أسهم في تراجع صورة إسرائيل لدى شرائح واسعة من الرأي العام الأميركي، وخصوصًا بين الشباب.

ووفقًا لاستطلاعات رأي حديثة، أظهر نحو نصف الجمهوريين الأميركيين دون سن الخمسين نظرة سلبية تجاه إسرائيل، وهو مؤشر غير مسبوق يعكس تغيرًا عميقًا في المزاج السياسي داخل الحزب.

مخاوف يهودية وتحذيرات مستقبلية

وحذّر التقرير من أن تصاعد الخطاب المعادي للسامية داخل اليمين الأميركي بات يثير قلقًا متزايدًا لدى الجالية اليهودية، التي لم تشهد هذا المستوى من العداء العلني منذ عقود. كما لفت إلى أن استمرار هذه الاتجاهات، بالتوازي مع تراجع الدعم لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، قد يؤدي إلى فقدان إسرائيل للدعم التقليدي ثنائي الحزبين في الولايات المتحدة.

وأكد أن هيمنة الرئيس ترامب الحالية على الحزب الجمهوري لا تزال تشكل عامل كبح لهذه التحولات، إلا أن التقرير حذر من أن هذا الوضع قد لا يستمر على المدى الطويل، خاصة مع بروز شخصيات قيادية مستقبلية داخل الحزب تتبنى مواقف أكثر تشككًا تجاه إسرائيل.

تحول في المشهد السياسي الأميركي

ويخلص التقرير إلى أن إسرائيل لم تعد قضية تحظى بإجماع سياسي أميركي كما كان الحال خلال العقود الماضية، وأن الدعم لها بات أكثر عرضة للتقلبات الأيديولوجية والحزبية، في مشهد سياسي أميركي يشهد استقطابًا متزايدًا وتراجعًا في مساحات التوافق التقليدي.

شاركها.