انتكاسات بلوزدادية على “مدار” المشاركات القارية
شهدت المشاركة الجزائرية في المنافسة القارية للأندية، سقوطا جديدا لنادي شباب بلوزداد، رسّم إقصاءه قبل الأوان من رابطة أبطال إفريقيا، الذي يبقى فيه الأمل معلقا فقط على مولودية الجزائر، بينما حفظ ناديا اتحاد الجزائر والنادي الرياضي القسنطيني ماء الوجه، بضمان التواجد الجزائري في دور خروج المغلوب لكأس “الكاف”.
الدور ربع النهائي الذي بلغه أكثر الأندية الجزائرية إنفاقا على الإطلاق، خلال مشاركاته الثلاثة الأولى في رابطة الأبطال الإفريقية، عجز شباب بلوزداد، ليس فقط في تحقيق نتيجة أفضل ببلوغ دور متقدم أو مراوحة المكان ذاته، بل إنه “اختار” انتهاج منطق “التقدم إلى الخلف”، بجعل مشاركتيه الأخيرتين في المنافسة القارية تنتهي قبل بلوغ ربع النهائي، بما يصبح من التساؤل عن الفجوة الموجودة بين سجل النفقات وسجل الألقاب، أمرا مشروعا لفهم أسباب عجز النادي، رغم كل الإمكانات والأموال الطائلة بالمليارات من “مدار”، في تبوئ مكانة “الأندية الكبيرة” في القارة السمراء من حيث “تسيّد” المنافسة الإفريقية.
وقد فشل النادي البلوزدادي، مرة أخرى، في تجاوز دور المجموعات، بل إنه كتب انتكاسة جديدة، أمام أورلوندو بيراتس، تضاف إلى سلسلة انتكاسات النادي على “مدار” مشاركاته القارية، قضى بها على بصيص الأمل في تحقيق ذلك.
وبعد خمس مشاركات متتالية في رابطة الأبطال الإفريقية لناد صرف أضعاف ما تصرفه عديد من الأندية الإفريقية التي تصل بانتظام إلى أدوار أكثر تقدما منه في المنافسة القارية، وقياسا بالأرقام الفلكية بالمليارات المستفزة للمشجع الجزائري، وجب اليوم وضع نقطة نظام لتصحيح مسار شركة “مدار”، التي تكون، على ما يبدو، قد فقدت بوصلة “البوديوم” الحقيقي، حين نصّبت نفسها “رائد” الأعباء بدلا من الألقاب.
حتى وإن اعترفنا بفضل “مدار” على النادي البلوزدادي منذ أن انتشلته من حالة “الضياع” جراء الأزمة المالية الخانقة التي أخرجت مشجعيه إلى الشارع بأصوات مستغيثة، إلا أن ذلك لا يمكن، بأي حال من الأحوال، غض الطرف على واقع مر، يبرزه عدم منح أموال “مدار” النادي البلوزدادي العريق ذلك البُعد المتوقع، ولم ترتق به إلى قمة الاحتراف بكامل معايير الاتحادية الدولية لكرة القدم، والتي ترتكز أساسا على مشروع رياضي واقتصادي واضح المعالم وعلى نظام تسيير راق.
شباب بلوزداد، بطبعة الشركة العملاقة “مدار”، تغيرت واجهته فقط فأصبحت أكثر لمعانا جراء الصفقات الفلكية باسم عقود اللاعبين المحترفين، بينما ظل، في باطنه فاقدا لكل شروط الاحتراف الحقيقي .. فلا مركز تدريب أو تكوين ولا نظام تسيير واضح ولا نظرة استشرافية مبنية على الاستقرار على مستوى كل الفئات ولا حتى حساب بنكي باسم النادي أصلا .. فقد تحول شباب بلوزداد إلى عملاق بأقدام من طين، يسبح في فلكه حماة الانتهازية أكثر من قادة الاحترافية، سينهار حتما فور تخلي “مدار” عنه.
وعلى نقيض شباب بلوزداد، فإن الأمل في إهداء الجزائر لقبا قاريا جديدا جعله ناديا اتحاد الجزائر والنادي الرياضي القسنطيني قائما، بعد تأهل كل واحد منهما لربع نهائي كأس الكاف وبامتياز.
وحتى وإن كان التأهل يغذي الأمل فينا ويجعلنا نثق في إمكانية إصلاح المنظومة الكروية، إلا أن تغييب المشاريع الرياضية الحقيقية وإسناد ملايير الشركات العمومية للمغامرين لتبديدها باسم الاحتراف يجعلنا نستفيق على التو من سباتنا ونعود إلى أرض الواقع، ونقتنع بأن الانجازات الظرفية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن نبني عليها أحكاما بنجاح الاحتراف في الجزائر، ولعل هذا الدرس فهمته السلطة أخيرا، حين انتفضت وقررت بسط الوصاية على المنظومة الكروية، برسم خارطة رياضية جديدة مبنية على المعايير الحقيقية لاحتراف الكرة، ونعني بها الأكاديميات ومدارس التكوين، بعدما بلغت فضائح تسيير الأندية الجزائرية حدا لا يطاق.
لم يعُد مقبولا أعذار الطقس والتعب والتحكيم والكولسة في تبرير الإخفاق، فبمقارنة إنفاق عديد الأندية في إفريقيا ونتائجها القارية مع حال الأندية الجزائرية، ندرك سريعا مكمن الداء الذي جعل منا منظومة تنفق على الفشل بسخاء .. ويتعين علينا، قسرا، محاربة الانتهازيين والفاشلين بالقوة التي يقتضيها الوضع، حتى ولو اضطرنا الحال للوصول إلى آخر مراحل العلاج، ونقصد به الكيّ.