اخر الاخبار

انتشار التسول في المجتمع.. ظاهرة غير صحية وغير حضارية

 تعد ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة، والتي تعاني منها العديد من الدول، بما فيها الجزائر، ويجب الأخذ في الحسبان أنها ظاهرة تهدد المجتمعات كافة؛ كونها تنتهك عزة النفس، وترفع نسبة البطالة، وتؤدي إلى الانحلال الفكري والأخلاقي عن طريق قيام العديد من المتسولين بتعاطي المخدرات، وترويج بضائع مسيئة للأفراد، كما أنها تعد من الأسباب التي تزيد من نسب الجرائم في العالم.

ولا تقتصر تأثيرات هذه الظاهرة على النواحي الاجتماعية والاقتصادية فقط، بل تمتد لتشمل جوانب أمنية خطيرة تؤثر على الأمن الوطني. ومن أهم أسباب تفاقمها: الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها الناس، حيث زادت نسب البطالة والفقر. وهذه الظروف تدفع العديد من الأفراد، بمن فيهم الأطفال وكبار السن والنساء خاصة، إلى اللجوء للتسول كوسيلة للحصول على الدخل. ثم ضعف النظام التعليمي الذي يفتقر إلى الاستقرار والكفاءة، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأمية والجهل، وبالتالي زيادة عدد المتسولين الذين لا يجدون فرص عمل بسبب نقص المهارات التعليمية. وأيضا ضعف البرامج الاجتماعية الفعالة وذلك لأن الكثير من البرامج الاجتماعية غير كافية لدعم الفئات الهشة في المجتمع مما يساهم في تفاقم ظاهرة التسول. إلى جانب الهجرة غير النظامية كما نلاحظه من انتشار الأفارقة في مختلف شوارع مدننا وأحيائنا. كما تعتبر تجارة مربحة للبعض بدلاً من العمل.

وتتعدد أنواع وأساليب التسول، وتتطور مع مرور الوقت لتصبح أكثر إبداعا وتأثيرا، فهناك التسول المباشر والذي يتمثل في اقتراب المتسول من الأشخاص وطلب المال أو الطعام بشكل مباشر. ويتم استخدام الأطفال لاستدرار عطف الناس وزيادة فرص الحصول على المال.

كما ظهر حديثا التسول الإلكتروني عبر الإنترنت حيث يستغل البعض وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لطلب المساعدة المالية، من خلال نشر قصص مؤثرة أو ادعاءات بحاجة ماسة للمال.

وللتسول تأثيرات كثيرة، منها اجتماعية؛ حيث تؤدي إلى تشويه صورة المجتمع وزيادة الشعور بعدم الأمان بين السكان. واقتصادية؛ حيث تسبب عبء على الاقتصاد المحلي بزيادة عدد الأفراد الذين يعتمدون على التبرعات بدلا من العمل. وأمنية، حيث تسهم في زيادة معدلات الجريمة، لأن التسول يرتبط بارتفاع معدلات الجريمة في المدن، ولأن الفقر والبطالة يدفعان الأفراد إلى اللجوء إلى الجريمة كوسيلة للبقاء، وتعتبر سرقة المحلات والنشل من أبرز الجرائم المرتبطة بالتسول.

وإن استغلال الأطفال في التسول يمكن أن يكون بوابة لدخولهم إلى عالم الجريمة المنظمة أو تجارة المخدرات، مما يشكل تهديدا مستقبليا للأمن الوطني. كما أن تفاقم الأوضاع الصحية حيث يعيش المتسولون في ظروف صحية سيئة، مما يزيد من احتمالية انتشار الأمراض والأوبئة، وهذا بدوره يضغط على النظام الصحي ويشكل تهديدا لصحة السكان بشكل عام.

كما أن انتشار ظاهرة التسول تؤدي إلى تشويه الوجه الحضاري للبلد؛ إذ يعطي انطباعا ظاهرا بوجود حالات فقر وبؤس في البلاد على الرغم من وجود أموال الزكاة والتبرعات التي يقدمها مواطنو هذه البلاد الطيبة.

وحـرص الإسلام على المحافظة على كرامة الإنسان وحمايته من التعرض للإهانة، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، ويقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: “اليد العليا خير من اليد السفلى”، واستنادا لما سبق فقد حـرّم الإسلام هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية تعود على الأفراد والمجتمعات ككل.

وتشكل ظاهرة التسول تحديا كبيرا يستدعي اتخاذ إجراءات فورية وفعالة للتصدي لها. من خلال: تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير النظام التعليمي، وخلق فرص عمل جديدة وتحسين ظروف العمل الحالية للحد من البطالة والفقر، ووجوب تنفيذ برامج دعم اجتماعي فعالة بهدف مساعدة الأسر الفقيرة وتمكينهم من تحسين ظروفهم المعيشية، إلى جانب تفعيل فريضة الزكاة للتخفيف من حدة الفقر، باعتبارها السياج الواقي من الانحراف والجريمة، ولأنها حق للفقير في مال الغني، من خلالها يحدث التراحم والتعاطف في المجتمع، ويتم تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ما يغرس بذور الأمن الاجتماعي، ويساعد على الوقاية من جرائم عديدة تحركها الحاجة والفقر…

ولابد من ترك مسألة التسول والاعتماد على العمل والإنتاج بجهد شخصي، قال صلّى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *