الهجمات الإعلامية التي تشنّ ضد مسجد باريس خبيثة وكاذبة
انتقد عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، الحملة الإعلامية التي تُشنّ ضد المؤسسة التي يترأسها، وضد كل ما تمثله، مشددا على أن مسجد باريس منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان يحمل رسالة السلام والانفتاح، وأنه يجسد القيم الأساسية للإسلام، والتي تجد صداها في القيم الإنسانية لفرنسا وفي مبادئ الحرية والمساواة والأخوة في الجمهورية”.
استنكر شمس الدين حفيز، في خطابه بمناسبة تقديمه حصيلة الخمس سنوات قضاها في رئاسة المسجد الكبير، بحضور مسؤولين وسياسيين فرنسيين ودبلوماسيين وممثلي الديانة الإسلامية وغيرها في فرنسا “الحملة الإعلامية غير المسبوقة، التي تُشنّ منذ عدة أيام، ضد المؤسسة التي أترأسها، وضد كل ما تمثله”، واصفا إياها بـ”الهجمات الخبيثة والكاذبة تماما، والتي تروج لها شبكات التواصل الاجتماعي غير المتناسقة وتوجهات بعض وسائل الإعلام”، موجها سهامه إلى هذه الأبواق بقوله “لن تزعجوا سلامي أو قناعاتي”.
وأردف الأستاذ حفيز “قبل خمس سنوات، عندما وصلتُ إلى هنا، قطعت وعدا بالشفافية، وهو ما يبدو في هذا المكان بمثابة قسم أخلاقي”، وأضاف: “منذ خمس سنوات، كنتُ أقود بحرية، وفي ضوء كامل الأنشطة المتعددة للمؤسسة، وأعزز اتصالاتها بهدف وحيد، هو إعلام أي شخص مهتم بهذا البُعد أو ذاك من إنجازاتنا المختلفة”، مؤكدا أنه “مع هذا الأمل، ولكن أيضًا بالعزيمة والإخلاص والسكينة، سأستمر في الإشراف على مصير المسجد الكبير في باريس”.
وشدّد عميد مسجد باريس على أنه “منذ قرن من الزمان، حمل المسجد الكبير في باريس رسالة السلام والانفتاح”، مشيرا إلى أنه “يجسد القيم الأساسية للإسلام، والتي تجد صداها في القيم الإنسانية وفي مبادئ الحرية والمساواة والأخوة في الجمهورية”، ملفتا إلى أنه “في كل عام، ورغم تقدم الأفكار المتطرفة التي حاربناها بقوة في عام 2024، في وقت كان فيه التماسك الوطني في خطر، أزداد إيمانا بمستقبل سعيد للإسلام والمسلمين في فرنسا”.
ونبّه حفيز إلى أنه “منذ أكثر من عشرين عاما، في فرنسا كما في الغرب، تمّ اختزال الإسلام في كثير من الأحيان في صور مشوّهة تتعارض مع جوهره”، ملفتا إلى هذا “التصور الخاطئ” يؤدي إلى “تأجيج الالتباسات والأعمال والخطابات المعادية للمسلمين”، موضحا إلى أن العديد من المسلمين الفرنسيين بدؤوا “يشكون في مكانتهم ومستقبلهم في بلدهم”.
ومن أجل “مواجهة ديناميكية رفض الآخر”، قال حفيز “إننا نتتبع مسار الإسلام الحقيقي المستنير، القادر على الازدهار في المجتمعات المتعددة الطوائف والعلمانية”، مؤكدا أن المسجد الكبير في باريس “ينفذ العديد من المشاريع للتأكيد على هذا الانسجام”، مشيرا على سبيل المثال تنظيمه “يوما دراسيا حول العنف ضد المرأة المرفوض قطعا في الاسلام؛ بهدف رفع مستوى الوعي بين عامة الناس حول هذه الآفة العالمية، التي تهم جميع النساء، بغض النظر عن معتقداتهن، وبغض النظر عن الدين”.
وأمام الأطروحات التي تنازع حول إمكانية أن يكون المرء فرنسيا ومسلما في نفس الوقت، أفاد عميد مسجد باريس أنه “ليس لدينا خيار سوى التفكير ونشر خطاب قوي”، مؤكدا أنه أطلق في عام 2023 “مجموعة التفكير حول تكييف الخطاب الإسلامي في فرنسا والمجتمعات العلمانية”.
وفي ذات السياق، كشف عميد مسجد باريس أنه “بعد أشهر من البحث والاجتماعات والاستماع إلى شخصيات متعددة، بما في ذلك رؤساء الجمهورية السابقين، ووزراء سابقين، ومنتخبين، وشخصيات دينية ومثقفين، وصلت مجموعة التفكير في تكييف الخطاب إلى نهاية عملها”، مشيرا إلى أن هذا العمل “تمّ تنفيذه بالتعاون مع مؤسسات مختلفة، منها جامعة الأزهر في القاهرة، وجامعة الزيتونة في تونس، على المستوى الديني، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان”، ومؤكدا أنه “بحلول نهاية النصف الأول من عام 2025، سيتم نشر الإصدارات الأولى” لتقرير مجموعة التفكير. وأضاف: “سوف تكون مصحوبة بـ”ميثاق باريس”، الذي سيجمع جوهر أفكار وآراء مجموعة التفكير، ويهدف إلى اعتماده من قبل السلطات الإسلامية في جميع أنحاء أوروبا والعالم.
وقال شمس الدين حفيز “نحن نعمل على ضمان فهم الإسلام في المجتمع، والخطاب المنقول داخل مساجدنا، من خلال الأئمة الذين تعتبر قضية تدريبهم من القضايا الحاسمة بالنسبة لمستقبل العقيدة الإسلامية في فرنسا”، مشددا على ضرورة أن “نعدّ جيلا جديدا من الأئمة، قادرين على مواجهة تحديات عصرنا، مستغلين إتقانهم لدينهم لتلبية تطلعات المجتمع”، ومشيرا إلى أنه “سيكونون رسل السلام والوحدة، يسيرون على خطى الذين سبقوهم اليوم”.
وحول مساعيه في مناقشة مستقبل الديانة الإسلامية في أوروبا، أشار حفيز إلى أنه “أنشأ” في نهاية عام 2023 مجلس التنسيق الأوروبي للعلماء والدعاة “آمال” بمشاركة ممثلي 20 دولة أوروبية، بهدف “معالجة التحديات المتعلقة بتنظيم وممارسة الإسلام في القارة بشكل مشترك، والدفاع عن الحرية الدينية ومواطنة المسلمين”.
وعرج شمس الدين حفيز على موضوع الحوار بين الأديان، مشددا على أنه “ضرورة ملحة في عالمنا الممزق”، كاشفا عن زيارة قادته قبل أيام إلى مكة المكرمة للقاء أعلى السلطات الدينية، وعن زيارة مقبلة في شهر فبراير للقاء البابا فرنسيس.
وعن التفويض الذي أصدرته السلطات الجزائرية للمسجد الكبير في باريس لإصدار شهادات الحلال للمنتجات المستوردة إلى الجزائر، أكد العميد “نقوم بتنفيذها بجدية وبخبرة منذ عام 1939″، مشيرا إلى أن الشركة التجارية التي تم إنشاؤها لإدارة هذه الشهادة “لديها مساهم واحد فقط: جمعية الأحباس وأوقاف الإسلام، ومؤسسها ومديرها هو المدير العام لمسجد باريس وأنا”، موضحا أن “عمليات التفتيش الميدانية وإصدار الشهادات والمراقبة المحاسبية تتم بشكل جيد”، مؤكدا أن “جميع الأرباح يتم استخدامها في تمويل ممارسة الدين الإسلامي، كما هو منصوص عليه في النظام الأساسي للشركة التجارية الجديدة”.
وشدد شمس الدين على أنه “يجب اعتبار الأموال الناتجة بمثابة نعمة على الدين الإسلامي في فرنسا، الذي يواجه صعوبات كبيرة في تمويل نشاطاته”، منتقدا جهات “تنشر معلومات كاذبة” توحي بأن هذا المورد هو بالنسبة للمسجد الكبير في باريس “تمويل خفي”، مؤكدا أنه “ليس كذلك”، وأن مسجد باريس الكبير “تمكّن من الصمود في وجه العديد من العواصف، وربما أسوأ”، موجها رسالة لهم “لن نستسلم لمؤامرة فاضحة لا أساس لها من الصحة”.
وأكد حفيز أن المسجد الكبير في باريس؛ الذي بني بإرادة الدولة الفرنسية بين عامي 1922 و1926 “يحتفظ بعلاقة تاريخية مع الجزائر، إذ أن جميع خطباءه ولدوا في هذا البلد”، مشيرا إلى أنه في الثمانينيات؛ وبسبب افتقاره للموارد “بدأ يستفيد من تمويل سنوي من الدولة الجزائرية، باتفاق مع الدولة الفرنسية”، موضحا أن هذه العلاقة “ساهمت في تعزيز دور المسجد الكبير في باريس لصالح الحياة المتناغمة للدين الإسلامي في بلدنا، ومواطنة المسلمين الفرنسيين، ومحاربة التطرف”.
وقال حفيز “لن يستطيع أحد أن ينتقد الالتزام الجمهوري للمسجد الكبير في باريس، وتمسكه بقيم مجتمعنا، ورغبته في رؤية مواطنينا المسلمين يزدهرون في فرنسا”، مشيرا إلى أنه “ربما هذا هو السبب الذي يجعل هذا الأمر مثيرا للقلق ورفضهم ما يمثله وما سيستمر في تمثيله كرمز للوحدة”.
كما كشف عميد مسجد باريس الكبير مشاريع سنة 2025، والتي ستنطلق في شهر رمضان المبارك، من حملات الإفطار والمساعدات الإغاثية ومسابقة حفظ وتلاوة القرآن الكريم في دورتها الخامسة، ومعرفة الأئمة المبثعتين من الجزائر إلى فرنسا لأداء صلاة التراويح في المساجد التابعة لمسجد باريس، متعهدا على مواصلة الجهود لتنوير الرأي العام الفرنسي والدولي حول الرسالة السامية للدين الإسلامي.