“الهجرة الطوعية” مخطط صهيوني لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها

أمد/ إن إحدى الأفكار الشائعة التي تم طرحها منذ السابع من أكتوبر من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، والسياسيين الإسرائيليين، وأخيرا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي إفراغ قطاع غزة من سكانه، تحت ذرائع متعددة، بعضها مغلف بغلاف إنساني وآخر اقتصادي، تسليط الضوء من جديد على أفكار الترانسفير وتهجير الشعب الفلسطيني، والتي استندت تاريخياً إلى فكرة نقل السكان الفلسطينيين بالقوة.
لطالما شكلت فكرة تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين حجر الزاوية في الفكر الصهيوني منذ نشأة الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر.
اعتبر قادة الحركة الصهيونية مثل ثيودور هرتزل، أن السيطرة على الأرض تتطلب تقليل عدد الفلسطينيين قدر الإمكان، سواء عبر الإبعاد القسري أو تشجيعهم على مغادرة أراضيهم طواعية.
في كتاباته، أشار هرتزل بوضوح إلى ضرورة “نقل السكان” كوسيلة لتحقيق الهدف الصهيوني بإنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين.
هذه الرؤية تعززت لاحقًا عبر الممارسات العملية التي اتبعها قادة المشروع الصهيوني، مثل ديفيد بن غوريون، الذي صرح بأن نجاح المشروع يتطلب “أرضاً بلا شعب”.
خلال نكبة عام 1948، تحول الترانسفير من فكرة إلى واقع على الأرض، حيث أُجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على مغادرة منازلهم وقراهم تحت تهديد العنف والمجازر، لم تكن هذه العمليات عشوائية، بل جاءت ضمن خطط ممنهجة مثل “خطة دالت” التي هدفت إلى طرد السكان الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم.
استمر هذا النهج خلال حرب 1967، حيث تكرر مشهد التهجير الجماعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما شكّل أساساً لإعادة صياغة الجغرافيا والديمغرافيا لصالح سلطات الاحتلال.
ومع تعقيدات المشهد الحالي، برزت مؤخرًا نسخة محدثة تحت مسمى “الهجرة الطوعية”، والتي روج لها رواد الصهيونية الدينية وقادة اليمين الصهيوني في العقود الأخيرة، هؤلاء دعوا إلى إصلاح الخطأ التاريخي الذي وقع إبان نكبة الشعب الفلسطيني، والمتمثل في عدم استكمال تهجير كل الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم.
فبالرغم من قبوله بمسار التهدئة، يستمر الاحتلال في تعميق الدمار وفرض واقع كارثي يغلق أمام الفلسطينيين في غزة أي أفق لاستعادة الحياة الطبيعية.
هذه الممارسات امتداد لنهج يستهدف دفع أهالي القطاع إلى البحث عن خيارات الحياة خارج غزة، وتعزيز سياسات الهجرة الطوعية التي تُعتبر امتداداً حديثاً لفكرة الترانسفير.
ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتفريغ الأرض من سكانها، أثبت الشعب الفلسطيني تمسكه التاريخي بأرضه وحقه في البقاء، وعزز عبر التاريخ من أدوات المواجهة وأسقط العديد من المشاريع التهجيرية والتوطينية، بما في ذلك مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء عام 1955، الذي كان لقطاع غزة الدور الأبرز في إفشاله.