النقاش العام (1) أمد للإعلام

أمد/ هناك حاجة ضرورية لتذكير النخب الثقافية والأكاديمية والأدبية والفنية بغياب الحوار والنقاش العام وتفاعل الأفكار بين أعضاء هذه النخب، وبخاصة في وسائل الإعلام التقليدية.
من منا يتذكر حواراً أو مجادلة جرت خلال العقدين الأخيرين، مثلاً، رغم صدور الكثير من الأعمال الأدبية من روايات ودواوين شعرية وأعمال فنية ودراسات سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية.
بدون حوار ونقاش عام في أي مجتمع، يصعب التعرف على أثر الفعل الثقافي والفكري في بيئة المجتمع، ودوره في تحفيز البحث وتجويد الثقافة، والدفع بمزيد منها في عروق حياتنا وبرامجنا الاجتماعية والتعليمية والتنموية.
في الحوار والنقاش العام والتفاعل المجتمعي، تزدهر ثقافة الإصغاء، ويتعمق الوعي بالقضايا الملحة في مجتمعنا، وتتعظَّم المشتركات ويُحترم التنوع والاختلاف، وهما جوهر مفهوم التسامح بأبعاده الأخلاقية والتربوية والفلسفية والقانونية.
صدرت عشرات الروايات والمقالات والأعمال الإبداعية، لكن من أسف لم تلق اهتماماً نقدياً، يعيد تفكيكها وفحصها وبناءها والإضافة إليها، وبما يقلِّص الفجوة ما بين أصحاب الأفكار والإبداع، وأعضاء المجتمع، ويفتح الدروب أمام التجويد وقيم المشاركة واجتراح البدائل الممكنة.
كم يُسعد الإنسان حينما يخرج الزملاء من أعضاء الهيئات الأكاديمية في الجامعات ومراكز البحث، من شرنقة كتابات بحثية هدفها الأول الترقي في المناصب الجامعية، إلى ساحات إثراء الحوار والنقاش العام البنّاء، والإسهام في توجيه مجرى التفكير، وتحفيز الحس الأخلاقي والإنساني والجمالي، والاستكشاف المعرفي في المجتمع.
ومن النافل القول إن الثقافة، بمعناها العام، قد تحولت إلى صناعة متكاملة، إلا أن ذلك لا يعني فقدانها لجوهرها ومعناها، وكونها أداة للنقد النافع وتحقيق الصالح العام، وتربية المجتمع وعدم تعريضه إلى نوع من الجفاف الثقافي التفاعلي.
لا يكفي أن نقول، ككتاب وأدباء، إننا نكتب أو نُبدع، وليتدبر القارئ أو المشاهد أمره، بالقبول أو الرفض أو حتى اللامبالاة، إننا بذلك، لا ندرك القيمة التأثيرية لما ننتجه.
في مقال نشرته في يناير/كانون الثاني الماضي، حول «شيخوخة المجتمع»، علَّق صديق مطّلع على حيثيات الموضوع، وقال: «لقد أيقظت أسئلة نائمة»، وانتظرت كتابات وتفاعلات فكرية وبحثية وحواراً ورؤى نقدية تكمل وتبني على هذا المقال، وتقترح حلولاً ناجعة، ومبادرات تسهم في معالجة هذه الإشكالية الوطنية.
الحوار والنقاش العام، في الإبداع الثقافي والأدبي والعلمي، هما اللذان يعطيان معنى للأشياء والقضايا والأحداث، ويمدان أفراد المجتمع بطاقة تعزز المسؤولية المشتركة، والهُوية الوطنية والسفر الآمن والفاعل إلى المستقبل.
إن السؤال والحوار والنقاش العام، وفرضياتها وصناعاتها، هي أساس بناء المعرفة، ولا نبالغ لو قلنا إن تاريخ الفكر الإنساني هو تاريخ السؤال عن المعنى وفي المعنى.