المنطقة تنزلق إلى حرب إقليمية شاملة؟
أمد/ تأتى الغارة الجوية الإسرائيلية بطائرات F35، على منطقة الجاموس بالضاحية الجنوبية ببيروت، الجمعة، والتي نتج عنها 37 شهيدا وما يقارب مائة مصابا إضافة إلى المفقودين تحت الأنقاض، بعد تفجيرات أجهزة اتصالات “بيجر”؛ لتؤكد الجنون الإسرائيلي الذي يقود المنطقة ومن خلفها العالم أجمع إلى الدخول في نفق مظلم بنهايته مصير مجهول لن ينجو أحد من شروره.
هذا ما أكده خبراء عسكريون ومحللون سياسيون لبنانيون ومتابعين لمجريات الأحداث في المنطقة محذرين من مغبة استمرار الاستفزازات الإسرائيلية، وإتباع الجيش الإسرائيلي إستراتيجية “قطع الرؤوس” التي تهدف إلى تقليم أظافر حزب الله ، من خلال استهداف قياداته.
أن ما حدث من استهداف للضاحية الجنوبية ببيروت هو استكمال لسياسة الاغتيالات التي بدأتها إسرائيل منذ فؤاد شكر حتى اليوم ، مرورا بجريمة الاغتيال الشامل عبر البيجر واللاسلكي التي ارتكبتها يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ولم يعد لديها خطوط حمراء، فقد أقدمت ألجمعه على ضرب “الضاحية الجنوبية” وهى مركز ثقل حزب الله والحاضنة الشعبية له مما يؤكد تتدحرج رقعة الصراع .
إن استمرار إسرائيل في هذا النهج لأنها تشعر أنه من الصعب بقاؤها فى ظل دفاع حزب الله عن فلسطين المحتلة، كما أن هناك ضغطا كبيرا على حكومة نتيناهو من قبل المستوطنين الإسرائيليين الذين أُجبروا على مغادرة قراهم فى الشمال عند الخط الحدودى مع لبنان وهؤلاء عددهم ليس قليل فهم تقريبا 150 ألف مستوطن، وهذا الضغط يدفع نتنياهو للقيام بعملية عسكرية واسعة لإبعاد حزب الله من منطقة الجنوب اللبناني التي تمثل مصدر قلق على شمال إسرائيل، وبالتالي تأمين حياة المستوطنين هناك ، ما يضع نتني اهو فى وضع حرج داخليا، وهناك تحديا آخر أمام نتنياهو يتمثل فى صعوبة تنفيذ العملية البرية لأنها مكلفة جدا والجيش الإسرائيلي منهك بسبب حرب غزة، ويصعب عليه فتح مجال لحرب أخرى الآن.
ويشير محللون إلى أن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمراء، ويعمل حثيثا على كسر قواعد الاشتباك وتغيير المعادلة في الجبهة الشمالية مع حزب الله، التي كانت تقوم على الردود المحسوبة والمتوازنة، انطلاقا بحرب هجينة عبر تفجيرات متزامنة وسلسلة اغتيالات لقادة كبار في الحزب.
اعتداءات نتنياهو على لبنان وتحديدا الضاحية الجنوبية ، لا تأتي في سياق البحث عن المبررات والذرائع ولكن تأتي في سياق دفع حزب الله إلى الرد بشكل غير نمطي ليمنح من ثم إسرائيل الضوء الأخضر الأميركي خصوصا لشن حربها الواسعة التي قد تصل إلى الاجتياح البري وتغيير المعادلات خاصة ، أن نتني اهو لم يحقق أيا من الأهداف الإستراتيجية لحروبه، واكتفى بأهداف تكتيكية باهتة، ويبدو أنه يمر إلى مرحلة جديدة من العدوان عنوانها فك الارتباط بين الجبهات في لبنان وغزة، وإعادة 60 ألفا إلى مستوطناتهم في الجليل الأعلى، لكنها تستهدف عمليا تصفية حزب الله أو دفعه إلى ما وراء الليطاني وإقامة منطقة عازلة.
على أرض الواقع ووفق تطورات الميدان وسخونة الجبهات ، لا يمكن تحقيق إعادة المستوطنين الذي أضيف إلى أهداف أخرى لم تتحقق في غزة سوى باتفاق شامل يتضمن وقف الحرب في غزة وهو ما يرفضه نتني اهو رغم الضغوط الدولية، أو بحرب مفتوحة.
وفي مقال بصحيفة جيروزاليم بوست (في عدد 23 أغسطس/آب 2024) يرى تامير هايمان مدير معهد دراسات الأمن القومي ورئيس المخابرات العسكرية الأسبق أنه “لا ينبغي أن تخوض إسرائيل حربا واسعة مع حزب الله إلا بعد معالجة الإخفاقات الحالية، وتثبيت استقرار قيادتها، وتحسين مكانتها الإقليمية والدولية”.
وإذا كان نتنياهو يحظى بدعم من اليمين المتطرف في حكومته، فإن قطاعا واسعا من الإسرائيليين يعارض سياساته. ففي مقال بصحيفة هآرتس (21 سبتمبر/أيلول 2024)، يقول المحلل والكاتب إسحق بريك “لقد فقد (نتنياهو) إنسانيته وأخلاقه الأساسية ومعاييره وقيمه ومسؤوليته عن أمن إسرائيل، ولن ينقذ إسرائيل إلا استبداله هو ورفاقه في أقرب وقت ممكن. لقد دخلت إسرائيل في دوامة وجودية، وقد تصل قريبا إلى نقطة اللاعودة”.
وفي ضوء حسابات خاطئة وفائض من أوهام القوة، وخسائر لم تكن محسوبة ومفاجآت غير منتظرة في الأداء القتالي لحزب الله وتكتيكاته، أو دخول أطراف أخرى في الصراع، قد يلقى بنيامين نتنياهو مصير رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي أنهته حرب تموز 2006 سياسيا وبات لاحقا أول رئيس للوزراء يدخل السجن، وهو ما يريد نتنياهو تجنبه حتى الآن بالتصعيد المستمر والهرب إلى الأمام.