المغرب ومصر.. حين يُختبر الشرف الرياضي في الملعب وغرفة الفار

أمد/ في الوقت الذي يواصل فيه المنتخب المغربي حفر اسمه بأحرف من ذهب في ذاكرة الكرة الإفريقية والعربية ، ويثبت مرة بعد مرة أنه أحد أعمدة اللعبة في القارة، تعود أسئلة قديمة لتطفو من جديد على سطح النقاش: هل يُترك للميدان وحده أن يقرر مصير المباريات؟ أم أن أيدي خفية تعبث خلف الشاشات، في غرف الفار والمونتاج والمخيلة التحكيمية؟!
لقد تابعنا، نحن المغاربة، بمزيج من الفخر والانفعال المشروع ، مباريات منتخبنا الوطني في هذه البطولة. فخرٌ لنا لما قدمه اللاعبون من أداء قتالي وانضباط تكتيكي يليق بتاريخ الأسود، وغضبٌ مشروع من تكرار سيناريو “التحكيم الانتقائي”، و”الإخراج المصري الموجّه”، الذي لم يعد يُخجل من نفسه.
منذ صافرة البداية، وعيون المغاربة مشدودة إلى الشاشات، لا فقط لمتابعة الكرة وهي تُركل وتضرب ، بل لرصد الإخراج التلفزيوني الذي بدا وكأنه أداة ضغط أكثر من كونه وسيلة نقل. فلا الإعادات أُظهرت حين احتاجها الحق، ولا زوايا الكاميرا أنصفت اللمسة والعرقلة في المربع ، وكأن المخرج كان يشاهد جمهوره في المدرجات لا أحداث المباراة.
وإذا كان التحكيم الميداني قد اتسم في بعض اللحظات بالارتباك من طرف الحكم الكاميروني، فإن غرفة الفار لم تكن إلا امتدادًا لذلك المنطق غير المفهوم. ضربات جزاء واضحة كالشمس لم تُمنح، وقرارات مصيرية تم تجاهلها ببرود يُثير الريبة، حتى كدنا نعتقد أن معيار العدالة قد أُعيد ضبطه وفق ميزان إقليمي ضيق، لا يمت للروح الرياضية بصلة.
ما حدث في مباراة ربع النهائي ضد سيراليون ليس مجرد سهو تحكيمي عابر، بل نموذج صارخ لكيف يُمكن لقوة خارج المستطيل الأخضر أن تقلب مسار لقاء بأكمله. ضربتا جزاء واضحتان حُرمت منهما المغرب، وسط صمت مريب من غرفة الفار، وصمت أشد من الإخراج الرسمي، الذي بدا وكأنه شريك في الجريمة.
بل أكثر من ذلك، فإن ما جرى مع المنتخب الغاني في مباراته ضد مصر يفضح ما هو أخطر: حارس مصري يتقدم بشكل واضح عن خط المرمى أثناء ركلات الترجيح، والفار يغض الطرف في لحظة حاسمة تُقصي فريقًا بأكمله. هل باتت غرفة الفار في إفريقيا أداة سياسية وتحيزية معًا؟ هل أصبحت تحكم بمنطق “من يستضيف، يفوز”؟!
هنا، يجب أن يُرفع الصوت عالياً. فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية، وهو نائب رئيس الكاف، مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن يتحرك في الكواليس، لا بصفته مسؤولًا إدارياً فقط، بل كحامٍ لكرامة الكرة المغربية التي تُذبح بصمت كلما حلّت بملاعب معينة. عليه أن يطالب بلجنة تحقيق، وأن يشترط نقل المباريات بإخراج محايد، وبطاقم فار يُمثل النزاهة لا المصالح.
الأمر لا يتعلق فقط بمباراة كرة قدم، بل بمبدأ العدالة. العدالة التي يجب أن تبدأ من أعين الكاميرا قبل أن تصل إلى صافرة الحكم. العدالة التي لا تتجزأ، ولا تُقسم بين مدرجات القاهرة ومدرجات الدار البيضاء.
نعم، لدينا منتخب قادر على الإطاحة بأي خصم، ولنا تاريخ يشهد أننا لا نهاب اللعب النظيف. لكننا لا نريد أن نقف في الميدان وأرجلنا تُقيّد من خلف الستار. لا نريد أن نواجه خصمين في آنٍ: الفريق الخصم، و”الفار الموجه”.
رسالتي ليست فقط للمسؤولين، بل أيضًا للاعبين. يجب أن تتحلوا بما أسميه “الذكاء الكروي الخبيث” كما تسلّح به خصومنا: التمثيل المشروع حين يُلام الجسد، معرفة اللحظة التي تستحق فيها السقوط المشروع لا الصمود المجاني، القدرة على استدعاء الفار لا تركه نائمًا.
كفانا مثالية ساذجة. كرة القدم لم تعد تُلعب فقط بالقدم، بل بالعقل، بالكواليس، وبالكاميرات. ومن لم يُدرك ذلك، خُدع في عز النهار.
أخيرًا، نحن لا نطلب شيئًا سوى الإنصاف. أن تُمنح الكلمة الأخيرة للميدان، لا لغرفة مظلمة تُدار من خارج قواعد اللعب النزيه. نريد مباراة عادلة، لا مجزرة تحكيمية مغلفة بالابتسامات الدبلوماسية.
المغرب أكبر من أن يُقهر بالكاميرا، وأقوى من أن يُقصى بصفارة منحازة. نحن قادمون، ليس فقط بمهارات لاعبينا، بل بعزيمة أمة، ووعي جمهور، ويقظة إعلام حرّ لا يهاب قول الحقيقة.
وغدًا، حين تنطلق المواجهة، ليتكلم الميدان وحده، وليصمت كل مخرج خبيث، وكل فار أخرس.