أمد/ عن أي “شعبوية مغرضة” يتحدثون؟
وعن أي “مشبوهين” تُوجَّه الاتهامات هذه المرة؟
هل وصل بنا الحال إلى أن يصبح اللاجئ الفلسطيني — صاحب الحق المسلوب — هو الأزمة؟ بينما تتحول الأذرع التي تُمعن في تقليص حقوقه إلى “شركاء موثوقين شرعيين” يستحقون التهاني والتصفيق؟
تطلّ علينا بعض التصريحات وكأنها بيانات “إنقاذ وطني”، بينما حقيقتها لا تتجاوز كونها محاولة بائسة لقلب الحقائق واستخدام القاموس السياسي ذاته الذي اعتادت السلطات المتهمة دائمًا: الهجوم على الضحية.
اللقاء الأخير بين “الممثل الخاص للرئيس الفلسطيني في لبنان” ولا نفهم قانونياً ماذا يعني هذا المنصب بوجود سفير دولة ومديرة شؤون الأونروا “الدكتورة” دوروثي كلاوس كشف حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع المخيمات. فوسط انهيار خدمات الوكالة وتفاقم الاحتياجات الإنسانية، يأتي من يطالب اللاجئين بالصمت، بل ويحذرهم من “حملات مشبوهة ضد الأونروا”.
لكن من هو المشبوه حقًا؟
أهو اللاجئ الذي:
• يُحرم من سرير مستشفى؟
• يكافح لتعليم أبنائه؟
• يطرق أبواب الإغاثة فلا يجد سوى الوعود؟
أم هي السياسات التي تُدار من خلف الستار بالتنسيق مع “رام الله” لتغيير وظيفة الأونروا من وكالة مرتبطة بحق العودة إلى مؤسسة خدماتية أمنية بحتة، تمهيداً لطيّ ملف القضية من جذوره؟
في السنوات الأخيرة، شهد الفلسطينيون أسوأ تقليصات للخدمات منذ تأسيس الوكالة. ورغم ذلك، تُمنح إدارة الأونروا الحالية شهادات تقدير بدلاً من طلب محاسبتها. إدارة تقود عمليًا أكبر عملية تجريد صامت للتفويض الدولي وفق قرار 302 الذي أنشأ الوكالة لحماية حق العودة لا لإدارته كأزمة معيشية أبدية.
الأخطر أنّه كلما ارتفع صوت المخيمات اعتراضاً، كلما زادت محاولات تخوينها:
المدافعون عن حقوقهم يصبحون “شعبويين”،
والمتمسكون بثوابتهم يصبحون “أصحاب أهداف مشبوهة”.
هذه لغة تُراد لها أن تصبح بديلاً عن الحقيقة:
اللاجئ هو المستهدَف، لا المتهم.
وحق العودة هو المقصود بالتصفية، لا بالتطوير.
وأي منطق سياسي يقبل تقديم الشكر لمديرة عامة تقف على رأس سياسات تقليص الخدمات، وإغلاق الأبواب بوجه المرضى، وتصفية برامج الإغاثة، وملاحقة حق العمل والكرامة… وبتغيير المناهج التربوية وطرد موظفين تحت ذريعة “الحياد” … ثم يقال للاجئين: “اصمتوا… فالانتقاد يضر بمصالحكم”!
إن شكر إدارة تواصل سياسات الضغط والتهشيم الاجتماعي، ثم مهاجمة المخيمات عندما ترفض الخضوع، هو رسالة واحدة للاجئين:
اصمتوا… ولا تزعجوا مشاريع التذويب الجارية… فالصفقة تمت.
ولأن الأمور تُسمّى بأسمائها:
المشروع المشبوه هو ذاك الذي يطالب بتهميش القرار 302 وتحويل الأونروا إلى جهاز خدماتي بلا هوية سياسية.
والمشبوه هو كل يد تهدم أسس التفويض تحت راية “الاستدامة” و”الإصلاح”.
والمشبوه هو من يرى في الفلسطيني عبئاً يجب إسكاته وليس قضية يجب إنصافها.
اللاجئ الفلسطيني لا يطلب المستحيل.
يطلب ما يكفله القانون الدولي:
خدمات وحقوق تحفظ الكرامة… وحقًا في العودة لا يُساوَم عليه.
وفي مواجهة محاولات الصمت والابتزاز السياسي، سيبقى الصوت الفلسطيني أعلى من كل محاولات التخوين.
لأن من يدافع عن قضيته ليس مشبوهاً…
المشبوه هو من يريد لها أن تنتهي بلا صوت، بلا صرخة، وبلا عودة.
نصيحة لمن يخوّن الشعب:
قبل أن تتهموا اللاجئين بالشعبوية، دققوا في جوازات من تطرقون أبوابهم لشراء شرعية بائسة.
قبل أن تصفوا المطالبين بحقوقهم بالمشبوهين، انظروا في مرايا المناصب… فقد تجدون الإجابة.
اللاجئ ليس شعوبيًا.
اللاجئ ليس مشبوهًا.
المشبوه هو كل خطابٍ يحاول تخدير الحقيقة، وكل يدٍ تعمل على تفكيك حقّ العودة قطعة… قطعة.
