أمد/ شكلت الحرب وتداعياتها صدمة مزدوجة للعمال، إذ تسببت في فقدانهم مصدر دخلهم الوحيد وهذا تزامن مع تُعطل سلاسل الإمداد بدخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات، مما جعل وصول المساعدات العينية التقليدية (كالغذاء والمأوى) إلى مستحقيها أمرًا بالغ الصعوبة، وفي ظل غياب الحماية الاجتماعية القادرة على تغطية العمال وتأمينهم ضد مخاطر الحرب والكوارث، لذا أصبح العمال وعائلاتهم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للجوع والفقر، وهذه الحالة تحتاج تطوير منهجية واليات تقديم المساعدات، والبحث عن بدائل مساندة منها: تبني التحويل النقدي المباشر للعمال والاسر الفقيرة.
لقد انتهجت بعض المؤسسات الإغاثية والإنسانية آلية جديدة بالتحول لتقديم المساعدات النقدية كأداة رئيسية، وفعالة لدعم المتضررين والنازحين وهو أمر مرحب به، ويأتي في سياق تطوير البرامج الاغاثية، وينسجم مع الحالة وخاصة بعد إعلان التهدئة وبداية العمل نحو عملية التعافي، ولكن! ما يستوقفنا هنا هو أولويات تقديم المساعدات النقدية لتصل إلي المستحقين الأكثر تضرر فالأقل تضرر حتى تصل للجميع بعدالة، وتكون معيناً لهم في مواجهة الأوقات الصعبة وتساهم في تغطية متطلبات واحتياجات أسرهم، ومن باب الانصاف والعدالة يعتبر العمال الاكثر تضرراٌ وحاجة بسبب فقدان مصدر الدخل الوحيد، ويجب أن تكون لهم الأولوية بالمساعدات النقدية، ويصبح تبني المؤسسات الإنسانية والاغاثية لذلك أساس في المرحلة القادمة لما لذلك من أهمية وبعد اقتصادي واجتماعي، كما يكتسب هذا التوجه أهمية قصوى في سياق مواجهة الأزمات المعقدة في واقعنا الفلسطيني، لما تركته الظروف والحرب من تحديات ومشاكل تدفعنا جميعاً لتبني سياسات وبرامج المساعدات النقدية ضمن أولويات التدخل للأسباب التالية:
يساهم تقديم المساعدات النقدية في تجاوز التحديات اللوجستية الهائلة المتمثلة في صعوبة إدخال المساعدات، وتصل بشكل سريع ومباشر من خلال تحويل الأموال إلكترونيًا أو عبر شبكات مالية مبسطة إلى العمال مباشرة، مما يضمن وصول المساعدة في وقت قياسي إلى من هم في أمس الحاجة إليها بكفاءة عالية وسرعة.
تسبب فقدان العمال لعملهم العمل الي الحاجة الملحة للسيولة النقدية لتلبية احتياجات أسرهم المتغيرة والمختلفة، والمساعدات النقدية تُمكّن العائلات من تحديد أولوياتها (غذاء، دواء، إيجار، مستلزمات نظافة) بدلًا من الاقتصار على حزمة المساعدات الموحدة.
ضخ السيولة النقدية في أيدي العمال يُنشّط الأسواق المحلية المتبقية (أو التي تبدأ بالتعافي)، مما يدعم القطاع الخاص والتجار الصغار والمزارعين، ويضع اللبنة الأولى لإعادة بناء الاقتصاد من الأسفل، وهو ما يساهم في تمكين الأسر وتحفيز السوق المحلي
يمثل تقديم المساعدات النقدية بديلاً مؤقتاً لمؤسسات الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية من المخاطر التي تُعوض العمال عن فقدان الأجور، كما وتعمل المساعدات النقدية ـشبكة أمان مؤقتة وضرورية للحفاظ على بقاء الأسر المتضررة والنازحة التي فقدت كل شيء.
تمكن هذه المساعدات العمال من تلبية احتياجات أسرهم بشكل كريم لحين عودتهم للعمل وتحصيل أجورهم، وبالتالي الانتقال من حالة الاعتماد على الإغاثة إلى الاستقلال الذاتي، وفيها نوع من الاستدامة والكرامة.
أخيرا: إن تبني منهج المساعدات النقدية كآلية إغاثية أساسية للعمال ليس مجرد خيار إداري، بل هو وضرورة واعتراف بواقع الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي يعيشونها، وخطوة عملية نحو حماية الفئة الأكثر ضعفاً وتضررًا من مخاطر الأزمات التي لا يغطيها أي ضمان اجتماعي رسمي، ويجب على المؤسسات تبنيها والعمل عليها بوضع آليات تحديد هوية واضحة للعمال المتضررين بالتعاون مع النقابات العمالية التي تمثلهم، وبناء قاعدة بيانات موحدة وشفافة وسلسة لضمان عدالة التوزيع، وتحقيق الأثر الإيجابي المطلوب بحفظ الكرامة والارتقاء بالإنسان العامل ومساعدته في التعافي وتخطي ما واجه من مآسي وجروح والآم ووجع …
