المداومة على الأعمال الصالحة
إن ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم بعد انقضاء شهر رمضان: المداومة على الطاعات حتى يتقبلها الله سبحانه، فإن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل”.
فالمسلم يستمر على العمل الصالح وإن كان قليلا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مِن الأعمال ما داوم عليه وإن قل. فخير للمسلم أن يحافظ على العمل وإن كان قليلا، والعمل الصالح هدف نبيل ينبغي أن يسعى إليه المسلم، ويداوم عليه ولا ينقطع عنه بخروج شهر الصيام.
وليعلم المسلم أن من رحمة الله تعالى به أن يوفّقه للأعمال الصالحة، ثم أن يوفقه للمداومة عليها، وهذه المداومة علامة على قبول العمل الصالح، وهي جزء من ثوابه، قال الله تعالى: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} أي: ومن يعمل حسنة نؤته أجرا وثوابا، قال بعض السلف كسعيد بن جبير وغيره: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها.
وإن من علامات قبول الطاعة اتباعها بالطاعة، وفي شهر شوال طاعة عظيمة وأجرها عظيم، وهي صيام الست من شوال، في صحيح مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال كان كصوم الدهر”. ولقد تعودنا في رمضان على أعمال كثيرة من البر، فهل نتركها بعد رمضان؟ لا ينبغي هذا للمؤمن، فرمضان مدرسة ننطلق بعدها محافظين على ما تعلمناه فيه، لقد تعوّدنا على صلاة الفجر مع الجماعة في بيوت الله تعالى، ولا يجوز أن نتركها بعد رمضان، لقد تعودنا على قراءة القرآن يوميا، فهل نهجره بعد رمضان فندخل فيمن اشتكى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم يهجرون القرآن الكريم؟ كلا، لا ينبغي لنا هجره بعد رمضان، بل ينبغي لنا أن نحافظ على قراءته دائما فإنه لا يختص برمضان، ولا يعجز أحدنا عن تخصيص دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث يقرأ فيها شيئا من القرآن الكريم.
ومن أبرز مكاسب رمضان الإقبال على قراءة القرآن، فهنيئا لمن جعل القرآن أنيسه في سائر الأيام والأزمان، فيرتقي به في درجات الجنان، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارقَ ورتّل كما كنتَ تُرتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”.
وإن من توفيق الله تعالى للعبد أن يحافظ على المكاسب الإيمانية التي حققها في شهر رمضان، فيلتزم بأداء الفرائض والواجبات، ويتقرب إلى الله عز وجل بالمداومة على النوافل والطاعات، قال الله تعالى في الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئِن استعاذني لأعيذنه”.
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا خيرا من الأقوال أو الأفعال لم يدعوه، فقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته التكبير والتسبيح والتحميد، فقال سيدنا علي رضي الله عنه: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كانت أمهات المؤمنين ونساء المؤمنات يلتزمن العمل الصالح من غير فتور أو قصور، فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى أربعا قبل الظهر، وأربعا بعدها، حرم الله لحمه على النار”، قالت: فما تركتهن منذ سمعتهن.
وإن المداومة على الأعمال الصالحة لها نتائج وآثار طيبة في الدنيا والآخرة، آثار عظيمة وثمرات جليلة لمن عمل الصالحات، وحافظ عليها إلى الممات، كالحياة الطيبة التي هي انشراح الصدر، وراحة النفس، وطمأنينة القلب {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}. ومغفرة الذنوب، فإن من حافظ على العمل الصالح استحق المغفرة من العزيز الغفار سبحانه: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}. وكذلك الفلاح، فمن عمل صالحا وحافظ عليه كان من المفلحين في الدنيا والآخرة {فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين}. وأيضا محبة الله، فمن حافظ على الأعمال الصالحة نال محبة الرحمن سبحانه {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا}. ودخول الجنة والخلود فيها فإنها جزاء من عمل الصالحات، واستمر عليها إلى الممات {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نُزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حِولا}.
وفي المداومة على العمل الصالح إغاظة للشيطان، لأن عدو الله تعالى يحب تثبيط المسلم عن العمل الصالح، فإذا رآه يداوم عليه ويستمر فيه كان ذلك سببا لغيظه، فمن قطع العمل كان موافقا لما يحبه إبليس، ومن داوم عليه كان موافقا لما يحبه الله تعالى ويغيظ الشيطان. وهكذا يجب أن يتبع رمضان بالعبادات والطاعات لا باللهو والغفلات والانطلاق إلى الشهوات والانطلاق إلى الملهيات كما يفعله بعض الغافلين.