القائد صلاح الدين وتحرير بيت المقدس
تعتبر “حطين” معركة حاسمة في تاريخ الحرب الإسلامية الصليبية؛ إذ فقدت مملكة بيت المقدس قواتها العسكرية الرئيسية في هذه المعركة، كما تم تدمير أكبر جيش صليبي أمكن جمعه منذ قيام الكيان الصليبي، وأضحى صلاح الدين القائد المنتصر في هذه المعركة على الصليبيين صاحب السيادة على العالم الإسلامي بأسره (ياسين سويد، حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي، ص 94).
وبعد حطين، لم يعد للصليبيين في المملكة المقدّسة خصوصا قوة يتباهون بها، لذا، ما إن استسلمت عسقلان وغزة لصلاح الدين في سبتمبر من العام نفسه، حتى قرر صلاح الدين أن ينطلق بجيشه الذي أعاد جمعه من كل المنطقة جنوب فلسطين؛ حيث كان قد نشره منذ سنوات ليستكمل توحيد بلاد الشام، وما إن اتجه بهذا الجيش شمالا نحو القدس لفتحها عنوة وبالسيف؛ حتى بدأت مدينة القدس تستعد لمقارعة القائد المسلم الذي جاء يتحدّى مناعتها وجبروتها بعد 88 عاما من احتلال الصليبيين لها.
خطة صلاح الدين العسكرية.. الخطوات التي سبقت فتح القدس
تجلت مقدرة صلاح الدين الحربية في تلك الخطة العسكرية التي اتبعها في جهاده ضد الصليبيين لاسترداد بيت المقدس، وقامت تلك الخطة على تكوين جبهة إسلامية موحدة، تضم مصر، وبلاد الشام، وأجزاء من العراق، ثم منازلة الصليبيين في عقر دارهم، وإنزال ضربة قوية بهم، كما حدث في معركة حطين. وتلا ذلك مسيره إلى مدن الساحل الشامي لإضعاف الصليبيين ماديا ومعنويا. ولو اتجه صلاح الدين عقب انتصاره في حطين إلى بيت المقدس؛ لتمكن من دخوله بدون عناء، إلا أن استيلاءه على بيت المقدس قبل السيطرة على مدن الساحل لن يضمن له الاستقرار التام في بيت المقدس؛ إذ كان من المتوقع قيام الغرب الأوروبي بإرسال الجيوش الصليبية إلى موانئ الشام، ومجيء فرسانه زرافات، ووحدانا، والدخول مع صلاح الدين في معارك حامية لاسترداد بيت المقدس الذي فيه كنيسة القيامة؛ لاعتقادهم الباطل كما يقول العماد الأصفهاني: إن فيها صلب المسيح، وقُرِّب الذبيح، وتجسد اللاهوت، وتألَّه الناسوت، وقام الصليب.
البعد الإعلامي
كانت تلك الحشود العسكرية الإسلامية قد شاركت صلاح الدين في معركة حطين، واستغل صلاح الدين وجودها في الشام قبل عودتها إلى إقطاعاتها في السيطرة على مدن وموانئ الساحل، وحرص صلاح الدين على أن يسبق مسيره إلى بيت المقدس حملة إعلامية إلى كافة أطراف العالم الإسلامي بقصد استنفار المسلمين للجهاد، الأمر الذي ثارت معه عزائم المسلمين بالعزم على الجهاد، والاشتراك في تطهير تلك البقعة المقدسة، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى محمد (أحمد شامي، صلاح الدين والصليبيون، ص 209).
استدعاء القوات المصرية
ومن ناحية أخرى، فقد استدعى صلاح الدين القوات المصرية أثناء قيامه بالاستيلاء على الساحل لمساعدته في الاستيلاء على المدن، والقلاع الجنوبية، واجتمع بابنه الملك العزيز عثمان في عسقلان، فقرّت به عينه واعتضد بعضده.
الحصار والقتال
كان الصليبيون قد بدؤوا القتال قبل تمركز جيش المسلمين حول أسوار المدينة، وذلك عندما تقدمت مفرزة من طليعة الجيش الإسلامي نحو الأسوار بقيادة الأمير جمال الدين شروين بن حسن الرازي، فخرجت إليها مفرزة من حامية المدينة، فقاتلتها وهزمتها، وقتلت أميرها (أبو شامة المقدسي، كتاب الروضتين، 2/92).