العمل الصّالح في العشر من ذي الحجّة
حري بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه. وكذلك تستقبل مواسم الخير عامة بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله عز وجل، فمن صدق الله صدقه الله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت:69.
ورد في فضل العشر من ذي الحجة أدلة كثيرة في الكتاب والسنة، منهاقوله تعالى: {والفجر. وليال عشر}، قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم، ورواه الإمام البخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
قال تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} قال ابن عباس: أيام العشر. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثِروا فيهن من التهليل والتحميد” أخرجه أحمد.
قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره.
ما يستحب فعله في هذه الأيام:
الصلاة: يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، روى ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة” رواه مسلم. وهذا عام في كل وقت.
الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
التكبير والتهليل والتحميد: لما ورد في حديث ابن عمر السابق: “فأكثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”، قال الإمام البخاري رحمه الله: [كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكبِّران، ويُكبِّر الناس بتكبيرهما]، وقال أيضا: [وكان عمر يُكبِّر في قُبَّتَهُ بمِنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويُكبِّر أهل الأسواق حتى ترتج مِنى تكبيرا]. وكان ابن عمر يُكبِّر بمِنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا، والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهم.
صيام يوم عرفة: يُتأكّد صوم يوم عرفة لما ثبت عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” أخرجه مسلم. لكن من كان في عرفة (أي حاجا)، فإنه لا يستحب له الصيام؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرا…