العبادة في شعبان.. طريق للفوز برمضان

مضى شهر رجب بحُرْمته وتفرُّده، ودخل شهر شعبان، واقتربنا من واحة رمضان الوارفة الظليلة، والعاقل من يترقّب مواسم الخير ومواقيت القبول وميادين السباق والفوز، فلا يغفل عنها ولا ينام، وليتَّعِظ بمرور الشهور والأيام.
لقد كان أكثر صيام سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد الفريضة صيام شهر شعبان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم” أخرج النسائي في سننه.
فرمضان ليس ضيفا عاديا يمكن أن نستقبله دون إعداد واستعداد، بل يجب أن نحسن الاستقبال حتى يمكن أن يعُمّ علينا خيره، فيغادرنا وقد عزّ علينا ذهابه، فتمتلئ نفوسنا شوقا لمجيئه العام المقبل. وإنّ إعداد العدّة لهذا الشهر المبارك عمل جليل، وأعظم منه انتهاز أوقات الغفلات التي تضيع على معظم الناس في تحصيل الطاعات، فهنا السبق وهنا التميز، وقد صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: “العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ”.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [اعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظّمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دَلّ على حرصه على الخير. ولهذا، فضّل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت، وفضل ما بين العشاءين، وفضل قيام نصف الليل ووقت السَّحَر].
ولعل من أهم الفوائد التي تعود على المسلم من إتقان العبادة في شهر شعبان وتكثيفها هو الاستعداد لشهر رمضان المبارك، فمن قَلَّ صيامه وقيامه طيلة العام يُسْتَحب له أن يستعد بالتدريب على النوافل قبيل رمضان، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، حتى إذا أتى وجده على أهبة الاستعداد، في شوق وترقّب لأداء العبادات، مهما صعب القيام بها لظروف الطقس أو طول النهار “صُم يوما شديد الحرِّ ليوم النشور”.
والاستعداد هنا يكون من ناحيتين، الاستعداد المادي والاستعداد الإيماني، ونقصد بالاستعداد المادي أن توفّر ما قد تحتاجه من مستلزمات خلال الشهر الكريم بدون إسراف ولا تقتير، حتى يتسنى لك الحفاظ على أوقاتك في هذا الشهر من الضياع. أما الاستعداد الإيماني، فيكون بالتدرب على العبادات والمواظبة عليها وتقديم الخير للناس جميعا وغير ذلك.