أمد/ أوسلو: أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، لكل من سوسومو كيتاغاوا وريتشارد روبسون وعمر ياغي تقديرا “لجهودهم في تطوير الأطر المعدنية العضوية”.

فقد طور هؤلاء العلماء نوعا مبتكرا من الهياكل الجزيئية تعرف باسم الأطر المعدنية العضوية، والتي تتسم باحتوائها على مسامات وتجاويف كبيرة تتيح للجزيئات الانتقال خلالها بحرية. وقد مهد هذا الابتكار الطريق أمام تطبيقات علمية متنوعة، حيث تم استخدام هذه المواد في استخلاص الماء من الهواء في المناطق الصحراوية، وتنقية المياه من الملوثات، علاوة على احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزين غاز الهيدروجين.

ويشار إلى أن عمر مؤنس ياغي هو عالم كيمياء يحمل الجنسية السعودية والأمريكية، من أصل فلسطيني، وهو حاليا أستاذ جامعي بجامعة كاليفورنيا، ببيركلي. وسيتقاسم الجائزة مع الكيميائي الياباني سوسومو كيتاغاوا من جامعة كيوتو، وأستاذ الكيمياء البريطاني ريتشارد روبسون من جامعة ملبورن. 

BREAKING NEWS

The Royal Swedish Academy of Sciences has decided to award the 2025 #NobelPrize in Chemistry to Susumu Kitagawa, Richard Robson and Omar M. Yaghi “for the development of metalorganic frameworks.” pic.twitter.com/IRrV57ObD6


— The Nobel Prize (@NobelPrize) October 8, 2025

;

 

عمر ياغي

يعد عمر ياغي، أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، أحد أبرز رواد الكيمياء الشبكية الحديثة، وقد لعب دوراً محورياً في تحويل هذا المجال من نظرية أكاديمية إلى تطبيقات عملية تحدث تغييرا جذريا في مواجهة التحديات العالمية.

طفولة في ظل شح الموارد… وشغف بالجزيئات

ولد عمر ياغي عام 1965 في عمّان، الأردن، لعائلة فلسطينية نزحت من يافا بعد النكبة عام 1948. نشأ في بيئة فقيرة، حيث عاش مع تسعة من إخوته في غرفة واحدة، دون كهرباء، وكانت المياه تصل إلى منزلهم لبضع ساعات أسبوعيا فقط.

هذه التجربة المبكرة مع شح الموارد، خصوصا المياه، غرست فيه رغبة عميقة في إيجاد حلول علمية لمشكلات العوز التي يعاني منها الملايين.

في سن العاشرة، اكتشف شغفه بالكيمياء حين رأى نماذج جزيئية في مكتبة مدرسته، كرات وأعواد تمثل الذرات والروابط، فشعر وكأنه “اكتشف لغة سرية لبناء الكون”. ومنذ تلك اللحظة، قرر أن يكرس حياته لفهم هذه اللغة وتوظيفها لخدمة البشرية.

رحلة علمية من الأردن إلى نوبل

انتقل ياغي إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة، دون أن يتقن الإنجليزية، لكنه سرعان ما تفوّق أكاديميا، ليحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي عام 1990. وخلال عمله الأكاديمي، بدأ يبحث عن طرق منهجية لتصميم مواد جديدة بدل الاعتماد على التجربة والخطأ.

في منتصف التسعينيات، قاد ياغي ثورة في الكيمياء من خلال تأسيس ما يُعرف بـ”الكيمياء الشبكية” (Reticular Chemistry)، وهي فرعٌ يتيح تصميم مواد بلورية ذات بنية منتظمة ومسامية نانوية يمكن التحكّم بها بدقة.

ومن أبرز إنجازاته تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs) والهياكل العضوية التساهمية (COFs)، مواد تمتلك مساحات سطحية هائلة (يمكن أن تصل إلى 7,000 متر مربع لكل غرام!) وقدرة استثنائية على امتصاص الغازات أو جذب جزيئات الماء من الهواء.

من المختبر إلى إنقاذ العالم

أحد أكثر إنجازات ياغي إثارة هو تطوير أجهزة لاستخراج المياه من الهواء الجاف، حتى في الصحارى حيث الرطوبة لا تتجاوز 20%. في تجربة شهيرة بمختبره في بيركلي، شاهد قطرات الماء تتكون داخل صندوق مغلق باستخدام بلورات MOF، ليقول بتأثر:

“كانت رؤية تلك القطرات واحدة من أروع اللحظات في حياتي… فهذا يعني أن بإمكاني خلق ماءٍ حيث لا ماء”. 

هذه التقنية، التي تعمل بالطاقة الشمسية ولا تحتاج إلى كهرباء، تعد حلا واعداً لمئات الملايين حول العالم الذين يعيشون في مناطق تعاني من شح المياه.

وفقا للأمم المتحدة، سيصل عدد المتأثرين بأزمة المياه إلى 1.8 مليار شخص بحلول عام 2025، وابتكارات ياغي قد تكون المفتاح لتخفيف هذه الكارثة.

اعتراف عالمي ودعم للشي

إلى جانب جائزة نوبل 2025، حصل ياغي على جوائز مرموقة عالميا، أبرزها جائزة كافلي للكيمياء (2018)، والتي تُعدّ من أرفع الجوائز في العلوم. كما تم تصنيفه مرارا ضمن “أكثر العلماء تأثيراً في العالم”، بفضل أكثر من 300 بحث علمي حظيت بأكثر من 250,000 استشهاد.

وفي فبراير 2024، كرمه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بجائزة “نوابغ العرب” في فئة العلوم الطبيعية، تقديرا لإسهاماته الاستثنائية. ويعرف ياغي أيضا بدعمه للباحثين الشباب من العالم العربي، وسعيه لفتح أبواب العلم أمام الأجيال القادمة.

نوبل… تتويج لرؤية إنسانية

فوز عمر ياغي بجائزة نوبل ليس فقط اعترافا بعبقريته العلمية، بل أيضاً تكريماً لرؤية إنسانية جذرت العلم في خدمة الإنسان. من غرفة صغيرة في عمّان إلى قاعات الأكاديمية السويدية، يبقى ياغي مثالاً حيّاً على أن العلم، حين يُبنى على التعاطف مع معاناة البشر، يمكن أن يغيّر مصير الشعوب.

“لم أكن أبحث عن جوائز، بل عن حلول”، يقول ياغي.

واليوم، يثمر بحثه عن حلولٍ أنقذت ملايين من عطش المستقبل.

 

شاركها.