أمد/ منع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مناقشة خطة ضم الضفة الغربية في جلسة مجلس الوزراء الأمني المصغر الخميس الماضي،  بناء على طلب أميركي للتركيز على الحرب بقطاع غزة مع انطلاق عملية “عربات جدعون 2″، ولكن دون إزالة الخطة نفسها عن جدول الأعمال، خصوصاً مع إشارة السفير الأميركي مايك هاكابي السبت، إلى أن الأمر متروك للحكومة الإسرائيلية، ما اعتبر بمثابة ضوءاً أخضر أو برتقالي، علماً أن السفير كان أشار دوماً إلى ما أسماه الحق التاريخي لليهود فيها وهو نفس ما ذهب إليه رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الرجل الثالث بالنظام الأميركي أثناء زيارته لمستوطنة أرئيل الشهر الماضي، وذهابه بعيداً إلى حد العمل على شطب الضفة الغربية واستخدام المصطلح التوراتي “يهودا والسامرة” بدلاً منه في المكاتبات الرسمية. وبنظرة أبعد كان الرئيس دونالد ترامب قد قال أثناء لقائه نتنياهو في البيت الأبيض أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي إنه يدرس ملف ضم الضفة الغربية خلال أربعة أسابيع، ولكنه عاد بعد أيام فقط، وبالأسبوع الأول من شباط/ فبرابر، ليشير إلى اعتقاده بنجاح الأمر. 

يأتي هذا كله بظل قنبلة الدخان التي ألقاها ترامب عن تهجير أهل غزة، بينما أصر رئيس الوزراء السابق أهود أولمرت على أن هدف نتنياهو وحلفائه اليمينيين الجدد بتسلئيل سموترتيش وإيتمار بن غفير الحقيقي والمخفي من حرب الإبادة بغزة ليست هذه الأخيرة، على حجم القتل والدمار والمجاعة فيها، وإنما الضفة الغربية لضمّها كلياً أو جزئياً، ودفع السلطة للانهيار أو العمل كإدارة بلدية، بعيداً جداً عن أي أفق ومسار سياسي جدي نحو إقامة الدولة الفلسطينية. 

وبالسياق تصفية القضية نهائياً مع اعتقاد هؤلاء اليمينيين الجدد إن الظروف باتت مواتية لذلك حتى قبل حرب غزة وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، بعيداً عن مصطلحات إدارة وتقليص الصراع والسلام لليمينيين القدامى نفتالي بينيت وموشيه يعلون.

 

انفتاح على ضم الضفة

إذن، بالتزامن مع خطة التهجير لأهل غزة ودعم السياسة الإسرائيلية هناك تشمل الإبادة والمجاعة وتدمير ما تبقى منها بدت إدارة دونالد ترامب منفتحةً على فكرة ضمّ إسرائيل للضفة الغربية. ولكن دون تحديد طبيعة وحجم الضمّ، وترك ذلك للحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ الدولة العبرية حسب التعبير الحرفي لسلفه جو بايدن وبالحد الأدنى، يجري الحديث عن ضمّ نحو 60% منها، وهي مناطق “سي” التي يسيطر عليها الاحتلال أمنياً ومدنياً حسب اتفاق أوسلو، وربط الكتل والمستوطنات الكبرى وحتى النائية والعشوائية ببعضها البعض، وبالمقابل تحويل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية إلى جزر متناثرة مرتبطة مواصلاتياً طرق وكباري وأنفاق وخاضعة تماماً للسيطرة والهيمنة الإسرائيلية السياسية والأمنية والاقتصادية.

في الضفة؛ تلحظ خطة الضمّ دفع السلطة إلى الانهيار، أو بالحد الأدنى تقليص وتحجيم وضعها في مربع الحكم  “البلدي” الذاتي غير الموسع وليس زائد كما كان مقرراً، وإغلاق أي أفق سياسي أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة وعاصمتها القدس ضمن حدود الأراضي المحتلة حزيران/ يونيو 1967.

تعني معادلة الضفة مقابل غزة إن لا استيطان ولا ضمّ لها ولا تهجير لأهلها ونيل ثمن ذلك في الضفة، حيث يدعو وزراء إسرائيليون إلى إعلان الضم رسمياً بالتزامن مع اتفاق وقف النار وإنهاء الحرب بغزة التي باتت غير قابلة للحياة فعلاً أحد أهداف الحرب غير المعلنة كما تقول الأمم المتحدة وترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف عن حق حتى لو أرادوا به باطل، مع تبني الطرح الإسرائيلي بالتحكم التام بها والسيطرة عليها برّاً وبحراً وجوّاً، أي كان شكل وطبيعة الهيئة التي ستديرها.

 

نحو الهاوية

وبالعودة إلى بالضفة فقد اتهم دوماً رئيس الوزراء السابق أيهود أولمرت، المعارض الشرس والمدافع عن الدولة العبرية والحفاظ على يهوديتها وديموقراطيتها، نتنياهو وحلفاءه بأخذ الدولة العبرية نحو الهاوية والانتحار وحاجج  أولمرت إن هدف الحرب والإبادة ودعوات الاستيطان بغزة على خطورتها مع صعوبة وحتى استحالة تحقيقها مجرد قنابل صوتية ودخانية، كون الهدف الأساسي لهم يتمثل بالضفة الغربية ودفع السلطة للانهيار وضم ما أمكن منها وحتى احتلالها بالكامل، ما يعتبره هو وكثيرون انتحاراً كامل الأوصاف بظل الأثمان الباهظة سياسياً واقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً، مع تزايد العزلة والعقوبات الإقليمية والدولية ضد الدولة العبرية. 

 هنا لابد من الانتباه إلى سعي حكومة نتنياهو سياسياً وإعلامياً لجعل الضم قصة وقت، وسؤال “متى وكيف؟” لا “هل؟”، حيث يؤمن اليمينيون الجدد “سموتريتش بن غفير” بإمكان تحقيقه ويعتبرون أنفسهم أكثر فهماً وإخلاصاً من اليمينين القدام،ى موشيه يعلون ونفتالي بينيت وحتى بينى غانتس ويائير لبيد الذين تبنوا سياسات من قبيل إدارة الصراع أو تقليصه، عبر السلام الاقتصادي، واعتقدوا إن الظروف باتت مهيأة لتصفيته نهائياً وفق الرؤى الأكثر تطرّفاً دينياً وتاريخياً حتى قبل عودة ترامب للبيت الأبيض وبالطبع قبل حرب غزة.

 

“الحسم”

هنا لا بد من التذكير بطرح سموتريتش خطة بهذا المعنى أسماها “الحسم” منذ 8 سنوات، والعمل منذ تسلمه منصبه بل مناصبه بالحكومة “وزير المالية ونائب وزير الحرب ومسؤول دائرة الاستيطان” على تحقيقها واستغلال خطة الانقلاب القضائي لتوسيع الاستيطان والتهويد بالضفة وإضعاف السلطة فيها، بينما يتكفل بن غفير بفرض قبضة استبدادية بالداخل وكبح المعارضين أشخاصاً ومؤسسات مقابل إنقاذ نتنياهو من نهاية بائسة لحياته السياسية وربما دخوله السجن.

من هنا لا تمكن ولا تجب الاستهانة بما طرحه سموتريتش منذ أيام عن ضم 82 بالمائة من الضفة لا نصفها ولا حتى 60 بالمائة منها، وترك الفلسطينيين في جزر معزولة تديرها هيئات محلية وتخييرهم بين القبول بالأمر الواقع الجديد أو التهجير أو القتل كي ينجز جيش الاحتلال ما لم ينجزه بالنكبة الأولى 1948 حسب تعبيره الحرفي بخطته.

أخيراً وباختصار وتركيز، لا شك إن خطة سموتريتش وصفة للانتحار الذاتي نظراً لكلفتها الاستراتيجية الهائلة على إسرائيل، لكن تداعياتها قد تكون سلبية جداً علينا ومع الصمود الشعبي الفلسطيني وتعثر خطط التطبيع العربي مع الدولة العبرية وزيادة عزلتها الدولية، يحتاج الأمر إلى قيادة فلسطينية جديرة وواعية وتجيير الدعم العربي والدولي لإفشالها بأقل الأثمان الممكنة وعدم مشاركة سموتريتش والدولة العبرية انتحارهم الذاتي.

عن المدن

 

شاركها.