أمد/ سانتياغو: تواجه المرشحة الشيوعية جانيت خارا منافسها اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في تشيلي، بعد تصدرهما الجولة الأولى التي جرت الأحد وهيمنت عليها المخاوف بشأن الجريمة.

وتصدرت جانيت خارا مرشحة الائتلاف اليساري الحاكم والحزب الشيوعي في تشيلي النتائج الأولية في السباق الرئاسي الذي أجري اليوم الأحد بنسبة 26.2%، وفق نتائج رسمية بعد فرز نحو 83% من الأصوات. ومن المقرر إجراء الجولة الثانية للانتخابات في 14 كانون الأول/ديسمبر.

وتصدرت خارا الانتخابات بفارق ضئيل عن اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست الذي يخوض محاولته الثالثة للرئاسة.

وبعد فرز حوالي 15% من الأصوات، حصل منافسها كاست على 24.9% من الأصوات.

وإذا واصلت خارا تقدمها، فستصبح أول مرشحة من الحزب الشيوعي في البلاد تصل إلى جولة إعادة في انتخابات الرئاسة.

ومن المقرر أن يخوض المرشحان جولة إعادة في 14 ديسمبر/ كانون الأول، في مواجهة مباشرة بين طرفين سياسيين متطرفين في وقت يشعر فيه الناخبون بقلق كبير إزاء الجريمة والهجرة.

وهيمنت هذه القضايا المتعلقة بالقانون والنظام على البرنامج الانتخابي وهو ما يمثل ابتعاداً كبيراً عن موجة التفاؤل إزاء اليسار وآمال صياغة دستور جديد التي أوصلت الرئيس الحالي جابرييل بوريتش إلى السلطة.

ولا يُسمح لبوريتش بالترشح لإعادة انتخابه.

وستواجه خارا معركة شاقة حيث ترجح استطلاعات الرأي فوز تيار اليمين في ديسمبر/ كانون الأول، ومن المتوقع أن تتحد القوى المحافظة حول كاست مؤسس الحزب الجمهوري اليميني المتطرف.

وخاض السباق ثمانية مرشحين، لكن كان يُشترط الحصول على نسبة 50% زائد صوت واحد لفوز أحدهم بشكل مباشر.

وفي تحول عن الانتخابات السابقة، أصبح التصويت إلزاميا للناخبين المسجلين في تشيلي والبالغ عددهم 15.7 مليون ناخب.

وناشدت خارا الأحد المواطنين في تشيلي بعد تصدرها النتائج عدم السماح للجريمة المتزايدة بدفعهم إلى أحضان اليمين المتطرف في جولة الإعادة في كانون الأول/ديسمبر. وقالت “لا تسمحوا للخوف بأن يقسي قلوبكم”.

أما كاست فقد تعهد بعد حلوله ثانيا بفارق ضئيل عن خارا “بإعادة بناء” تشيلي بعد أربع سنوات من حكم يسار الوسط.

وعلى مدى العقد المنصرم، شهدت تشيلي التي تعد من أكثر دول أميركا اللاتينية أمانا، ارتفاعا حادا في جرائم القتل والخطف والابتزاز، ما يثير الذعر والقلق لدى السكان. 

وارتفعت جرائم القتل من 2,5 إلى 6 لكلّ 100 ألف نسمة في خلال عقد من الزمن وسُجّلت 868 عملية اختطاف العام الماضي، في ارتفاع نسبته 76 % بالمقارنة مع 2021، بحسب السلطات.

وعبر العديد من الناخبين عن مخاوف على سلامتهم. 

قالت روزاريو إيسيدورا هيريرا مونيوز التي أدلت بصوتها في سانتياغو ومعها طفلها البالغ ستة أشهر لوكالة فرانس برس “على بُعد خطوات قليلة من منزلي قتل صبي صغير مؤخرا لأنه كان يرتدي سلسلة ذهبية، أُطلق عليه الرصاص. وقبل ثلاث سنوات في شارعي، كادت فتاة صغيرة أن تُختطف”.

وقال ماريو فونديز المتقاعد البالغ 87 عاما “آمل أن نعود يوما ما إلى ما كنا عليه من ذي قبل” مضيفا “إذا كان علينا قتل (المجرمين)، فليكن”.

وينظر إلى عملية الاقتراع الأحد على أنها اختبار لليسار في أميركا الجنوبية بعد تراجعه في الأرجنتين وبوليفيا ومواجهته تحديات كبيرة في الانتخابات الكولومبية والبرازيلية المقررة العام المقبل.

وقال المرشح اليميني المتطرف يوهانس كايزر ردا على سؤال لوكالة فرانس برس بعد أن أدلى بصوته في سانتياغو إن “القضية هنا تتعلّق بما إذا كان سيزداد تباعد أميركا اللاتينية عن الولايات المتحدة والعالم الحر”.

تعذيب

ويمنع على اليساري الوسطي غابرييل بوريتش الذي أصبح قبل أربعة أعوام أصغر رئيس لتشيلي عن عمر 36 سنة، أن يترشح لولاية ثانية متتالية. 

وحقق بوريتش خلال ولايته بعض التقدم في مكافحة الجريمة، إذ انخفض معدل جرائم القتل بنسبة 10 بالمئة منذ عام 2022 ليصبح 6 لكل 100 ألف شخص.

غير أنّ التشيليين ما زالوا قلقين من تصاعد العنف الإجرامي، ويعزون ذلك إلى وصول عصابات من فنزويلا ودول أخرى في أميركا اللاتينية.

وتعهد كاست الذي يُعرف بـ”ترامب التشيلي” وضع حد للهجرة غير النظامية عبر تشييد جدران وأسوار وحفر خنادق على طول الحدود الصحراوية مع بوليفيا، وهي نقطة العبور الرئيسية للآتين من الدول الفقيرة الواقعة إلى شمال البلاد.

ووعد كاست، وهو أب لتسعة أولاد، مؤيديه بأن “الثالثة (ستكون) ثابتة”، بعدما خاض الانتخابات الرئاسية مرة أولى عام 2017، وفي 2021 حين خسر أمام غابرييل بوريتش.

وقال بعد الإدلاء بصوته في أحد مراكز العاصمة “نحن بحاجة لرصّ الصفوف لمواجهة المشاكل… المرتبطة بالأمن”.

وقبل الانتخابات، حدّد كاست زعيم الحزب الجمهوري مهلة لـ337 ألف مهاجر غير نظامي لبيع ممتلكاتهم والعودة إلى ديارهم، تحت طائلة الترحيل وخسارة كل ما يملكونه في حال فوزه.

وشهدت الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية تقدم كايزر (49 عاما) المعروف بمواقفه الأكثر يمينية من كاست، والحادة في مسائل الهجرة والقيم العائلية.

اختبار لليسار

وقال الخبير في المركز الأميركي للسياسة والاقتصاد والبحث غيوم لونغ لفرانس برس، إن فوز اليمين المتطرف في تشيلي “سيكون له تأثير كبير على السياسة في أميركا اللاتينية”. 

وأضاف “أعتقد أن تشيلي ستؤدي دورا فاعلا للغاية على الساحة الدولية، على الأرجح في تحالف وثيق مع (الرئيس الأرجنتيني خافيير) ميلي و(الرئيس الأميركي دونالد) ترامب”. 

وتواجه المرشحة اليسارية خارا مهمة شاقة للتغلب على المواقف المناهضة للشيوعية والاستياء من أداء إدارة الرئيس بوريتش المنتهية ولايته. 

وتفوّق بوريتش، وهو قيادي سابق في الحركات الطالبية، على كاست في انتخابات 2021 من خلال تعهده إقامة دولة رعاية اجتماعية بعد تحركات احتجاجية ضد عدم المساواة شهدتها البلاد قبل ذلك بعامين. 

لكن رئاسته أضعفها كثيرا رفض غالبية ساحقة من الناخبين دستورا تقدميا جديدا بعد أشهر من توليه المنصب.

طيف بينوشيه

وفي حال فوزه، سيصبح كاست أول رئيس من اليمين المتطرف منذ الديكتاتور أوغستو بينوشيه الذي حكم البلاد بين العامين 1973 و1990.

وسبق لكاست، وهو نجل جندي في الجيش الألماني إبان حكم أدولف هتلر، أن دافع عن بينوشيه الذي أطاح الرئيس الاشتراكي المنتخب ديموقراطيا سلفادور أليندي، بانقلاب عسكري مطلع السبعينات، وأرسى نظام حكم استبداديا وأشرف على قتل الآلاف من المعارضين.

أما خارا، فقد انضمت إلى الحزب الشيوعي وهي في الرابعة عشرة، لكنها خاضت الحملة الانتخابية كمرشحة معتدلة، مستندة إلى سجلّها الإصلاحي أثناء توليها سابقا وزارة العمل، حين خفّضت عدد ساعات العمل الأسبوعية من 45 إلى 40، ورفعت الحد الأدنى للأجور.

وتعهدت خارا بضمان أن “يكون في إمكان كل عائلة تشيلية تأمين مصاريفها بسهولة حتى آخر الشهر”.

ولقي هذا التعهد صداه في صفوف المؤيدين. واشتكت ميرييا أورتيز (76 عاما) التي تعمل في تنظيف المكاتب لتأمين مدخول تضيفه إلى راتبها التقاعدي الضئيل، من ارتفاع أسعارالخبز والسكر والشاي والفاكهة”، وقالت “لذلك علينا أن نصوّت لها!”.

وأكدت المرشحة اليسارية بدورها أنها لا تعاني من “أي عقدة في مجال الأمن”، مدافعة خصوصا عن رقابة مشدّدة لتدفقّات الهجرة.

لكنها قالت بعد إدلائها بصوتها في سانتياغو إن “تأجيج المخاوف لا يكفي لحكم بلد ما”.

واعتمدت تشيلي هذا العام إلزامية التصويت للمرة الأولى منذ 2012، ما أضاف قرابة خمسة ملايين ناخب. 

وبالإضافة إلى اختيار رئيس جديد، اقترع الناخبون لاختيار أعضاء في مجلس النواب ونصف أعضاء مجلس الشيوخ.

شاركها.