الشهيدُ والسفهاء أمد للإعلام
أمد/ راعني قيام عدد من الناس ومنهم المدونين أو “المقيمين” في ساحات التواصل الاجتماعي بعقد جدول مقارنات بين الشهداء!؟ سواء المنتمين للفصيل (س) أو الفصيل (ص) وهذا لعمري شيء جديد لم نألفه فيما سبق!؟ ولا بد أن تجار الفتنة، ومعهم سفهاء وسائل التواصل “المقيمين” قد اخترعوه بقصد الطعن في النضالات على تعدد أوجهها وأشكالها، وما يعنيه ذلك من الطعن في ذات مفهوم الثورة والنضال والمقاومة والكفاح ككل، وبما يوهن من عزيمة الاجيال القادمة الساعية لتحرير فلسطين.
أن تنزلق فئة من الناس، والسفهاء من المقيمين الدائمين في ساحات التواصل الاجتماعي للمقارنة بين الشهيد في المجال الإعلامي وذاك الشهيد بالمجال النقابي، والآخر الشهيد بالمجال العسكري، وأخيه شهيد العلم، أو شهيد الرأي والكلمة الحرة والرواية، ورصد الظلم ومجابهته، لفيه من الغلوّ الكثير، وفيه من الاسقاطات التي تعمد لتقزيم النضالات عامة ومنها كافة نضالات وثورة ومقاومة الشعب العربي، والشعب العربي الفلسطيني. إنه كلام لغو ليس طارئًا ولا يأتي هنا من جاهل بل يأتي عن سبق عمد لتسفيه وتحقير القضية برمتها وأعلامها اختلفنا معهم في مراحل أم اتفقناالتي عُمّدت بالحبر والدم والكلمة والمنجل والريشة لم تفترق عن ذلك يومًا.
احتضنت الثورة والمقاومة الفلسطينية شهيد القلم والريشة كما احتضنت شهيد الميدان العسكري وشهيد الحرب الاستخبارية وشهيد الصوت الجريء فلم تفرق بين أي منهم قط. وما يحصل اليوم ما هو الا فتنة صهيونية تُضاف الى فتنة التمييز بين الشهداء على قاعدة الانتماء الفكراني (الأيديولوجي) كما كان في مرحلة من المراحل حينما اعتبرت بعض التيارات الفكرانية أن الشهداء من غير جماعتهم وحزبهم ما هم الا فطايس وهم بالنار؟
بالأمس قضى الشهيد الخالد ياسر عرفات محاصرًا معزولًا مكروبًا مسمومًا، وهو الذي كرّس كلّ حياته حرفيا من أجل فلسطين، وبالامس قضى الشهيد الضمير جورج حبش حياته بعيدًا عن دخان المعارك، وبالأمس فقط قضى اغتيالًا كل من فتحي الشقاقي واحمد ياسين وقبلهم صلاح خلف وخليل الوزير وكمال ناصر واسماعيل أبوشنب وأبوجندل وحسين عبيات ود.ثابت ثابت ود.حازم أبوشنب .
وبالأمس فقط قضى المثقفون والمفكرون قادة الرأي الكبار أمثال ماجد أبوشرار الذي مات مقنبلًا وخالد الحسن شهيد الفكر والكلمة، وقبله عزالدين القلق ود.عبدالوهاب الكيالي، ود.عصام السرطاوي، وشهيد السينما الفلسطينية هاني جوهرية، ولحقتهم الشهيدة شيرين أبوعاقلة والكثيرين من أبطال هذه الثورة ومسيرتها البطولية فما كانوا الا في حصّة المقاومة والثورة الفلسطينية لا نفرق بين أحد منهم، ونحتسبهم عند الله شهداء باذنه تعالى.
ظهرت الأصوات التمييزية المخربة من هذا النوع بعد اغتيال أبوعلي مصطفى من الجبهة الشعبية، وربما لأنه من “الجبهة الشعبية” أي أنه اشتراكي كافر! ثم عادت للظهور وإن بخجل بعد استشهاد أعداد أخرى كان يقام حائط بينها يحدّد من هو الشهيد أو من هو البطل ومن هو غير ذلك على أساس من خمسة: الفصيل او الدين او النية أوأسلوب النضال، او الرتبة هل هو قائد أم مدني عادي!؟
وفي كل ذلك سفَه من جهة، وتحشيش فكري أورفاهية لا تمتلكها الوطنية الفلسطينية التي ترى في كل الشعب الفلسطيني ضحية للعدوان الاحتلالي الغاشم، وترى بكل من ناضل بأي شكل من أجل فلسطين في نفس المركب، بطل من أبطال فلسطين والنضال العالمي، لذا فلتكف أصوات الغوغاء من”المقيمين الدائمين” على لوحات مفاتيح الحواسيب، والجوالات في المقاهي والمطاعم عن إعمال سيوف الطعن في صدور الامة وأبطالها.
في المسلسل الدموي الأخير سقط في سبيل فلسطين في قطاع غزة والضفة ثم لبنان مايزيد على 150 ألف ضحية بين قتيل أو شهيد وبين جريح وكلهم بغض النظر عن التصنيفات السيئة “للمقيمين الأثيريين” في السجل الثوري النضالي الوطني الفلسطيني، فكيف لك أن تحكم على حسن نصر الله أمين عام حزب الله، والمفكر الفتحوي رضوان عبدالله وصالح العاروي الذين استشهدوا في لبنان، وتميّز بينهم! كما وتميز بين اسماعيل هنية ومحمد الضيف ويحيى السنوار وبالمقابل شيرين أبوعاقلة، والاعلامية المتألقة آلاء الحسنات ومحمد أبوحصيرة من وكالة وفا، وعماد الوحيدي من فضائية فلسطين في غزة والمئات أمثالهم بما لم تحكم به على من سبقوهم؟! وسياق الفعل المقاوم قد اتخذ الأشكال الكثيرة والمتعددة. ساء ما تحكمون.
رحم الله كل ضحايا العدوان الصهيوني على فلسطين من 100 عام حتى الآن. ومنذ انطلاقة المقاومة الفلسطيية الحديثة عام 1965 حتى تاريخه، ومؤخرًا رحم الله كافة من ارتقوا فداء للشعب وفداءًا للوطن بجناحيه، ورحم الله كل من قضوا في سبيل القضية المركزية للامة من عرب وعجم، ومن كافة الجنسيات، والله أعلم بالنوايا، ولهم من الثورة والمقاومة الفلسطينية وسام فلسطين وسام البطولة، ونحتسب الجميع عند الله شهداء.