السلامة من الحوادث والكوارث من المنظور الإسلامي
إن الحوادث والعواصف وما تخلفه من ضحايا ومصابين وغيرها من الكوارث، تتطلب منا الوقوف عندها مليا لدراسة أسبابها وعواقب عدم الأخذ بالحيطة والحذر في أعمالنا ومشاريعنا وفي تفاصيل حياتنا كلها. لذا، يحتاج المسلم، في هذه الأيام، في مناحي الحياة كلها إلى مزيد من الحيطة والحذر، وكثيرا ما يُؤتى الإنسان من قلة حذره أو عدم أخذه بمبادئ السلامة والاحتياط؛ فينجم عن تصرفاته المتسرعة والمتهورة الكثير من الحوادث أو المصائب.
من الأمراض الاجتماعية والإدارية التي أصابت مجتمعنا مرض الإهمال والتسيّب واللامبالاة وعدم الأخذ بأسباب الحيطة والحذر، ما أدى إلى تأثير هذه الظاهرة بالسلب على الفرد والمجتمع، إن الإهمال وعدم الالتزام بمعايير الجودة يدمّر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد، وهو عدو التقدم والتطور والبناء، كم وكم من كارثة كان سببها الإهمال!! به تتعطل المصالح وتهدر الأموال ويقل الإنتاج ويضعف الاقتصاد، وتتعرض النفوس للأخطار والهلاك.
والمتمعن في أحوال كثير من قطاعات مجتمعاتنا العربية يلحظ كيف أصبح الإهمال والتسيّب يضرب بجذوره في تربتها ويعشش في زواياها، ويعيث هدما في أركانها، حتى صار سيد الموقف في كثير من تصرفات المسؤولين والموظفين فيها.
والله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نأخذ حذرنا {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم}، والحذر هو أن نأخذ الحيطة وأن نكون متأهبين قبل وقوع المكروهات، فالحذر خصلة حميدة وصفة مجيدة، لا يستغني عنها أحد في أي حال من الأحوال.
ولقد سعى ديننا الإسلامي إلى تربية أبنائه على تحمّل المسؤولية، فكل لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسد فيها المسؤولية بكل صورها، أفرادا ومجتمعات، هيئات ومؤسسات، شعوبا وحكومات، والمسؤولية في الإسلام تعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانا عليه، أو قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه، قال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…”، والمسلم يحذر من الكوارث والحوادث والحرائق، وخاصة لما تكون الأجواء المناخية خطرة.
وإن من أسباب بروز ظاهرة الإهمال انتشار بؤر ودوائر الإهمال في الحكومة ومرافقها العامة، وضعف الرقابة الإدارية، وشيوع روح التواطؤ المتبادل على الإهمال، والكسل بين غالب الموظفين العموميين، وغياب مبادئ الثواب والعقاب. والمطلوب من المؤمن العاقل أن يبتعد دائما عن الطيش والغفلة وقصر النظر، وأن الفرق بين العاقل والجاهل أن الأول يعرف الخطر قبل وقوعه فيأخذ الحيطة والحذر قبل وقوع المكروه، وأما الثاني فلا يحس به إلا بعد وقوع المكروه.
أما علاج ظاهرة الإهمال فيكون بمراقبة الله عز وجل، فبالمراقبة يُعبد الرحمن ويُبنى الإيمان ويُطرد الشيطان، وبالمراقبة يكون جمال الحياة وصلاح الدنيا وسعادة الناس. وبالمحاسبة الإدارية والقانونية، وهي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم وأفعالهم. إنه يجب على الجهات المعنية وقبلهم الأفراد جميعا، أن يبحثوا منع الأسباب المؤدية لهذا الاستهتار المتكرر بحياة البشر، وأن يتم إصدار قانون يُجرّم مثل ذلك الإهمال ويعاقب عليه بأشدّ أنواع العقوبات.
وأخذ الحذر من باب الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعا بجانب التوكل على الله، فالعبد يتوكل على الله وفي نفس الوقت يأخذ بالأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالأسباب على اختلاف الأحوال: فتُجاه ربه؛ عبده وأكثر من عبادته وهو المغفور له ما تقدم وما تأخر، وقال: “أفلا أكون عبدا شكورا”، وفي الحرب؛ كان يلبس لأمته وذات مرة لبس درعين، وعند خروجه في الغزوات والمعارك؛ كان يوري في الطريق فيخرج على عكس الاتجاه، وفي السفر؛ أخذ الزاد معه، وفي هجرته وسفرياته؛ استعان بقصاص الأثر والدلالين وكمن في الغار ثلاثا، وكل هذا مما ذكرنا وما لم نذكره من أحواله عليه الصلاة والسلام من باب الأخذ بالأسباب مع توكله على ربه.
إن الحذر وأخذ الحيطة دليل اليقظة والإدراك عند المسلم، هذا وإن من فوائد الحذر أنه يوصل إلى السلامة وتحقيق المطلوب في الدنيا والآخرة، والحذر صفة إيمانية تقي المؤمن شر المعاصي، ومن الشر وأهله والشيطان وشركه، ومن النفس وهواها، والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب المثل الأعلى في تحذير أمته فما من شيء من الشر إلا وحذرهم منه، وعلى المؤمنين أن يحذروا وينصح بعضهم بعضا حتى يكونوا مجتمعا سليما معافى ينعم بالأمن والإيمان.
إن المؤمنين الصادقين هم الذين يفهمون سنن الله في الكون، وأن الإرشادات القرآنية والسنن النبوية كما بيّنا صريحة وقاطعة على وجوب الأخذ بالحذر والحيطة في شؤون المؤمن كلها.