اخر الاخبار

السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان واحتفالات النصر: قراءة في المأساة

أمد/ ما جرى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عقب إعلان وقف إطلاق النار في غزة يمكن وصفه إلا بمشهد مستجن، أساء إلى صورة ما يُسمى بـ ”النصر” في غزة، وكشف عن عمق التهاون والجهل الذي استبد بكل من حمل السلاح احتفالاً بتوقف المجازر، التي طالت أهل القطاع لخمسة عشر شهراً متواصلة، مجازر لم يُطوَ ملفها حتى الآن، رغم الإعلان الرسمي عن الاتفاق، في انتظار أيام قادمة قد تحمل المزيد من الدماء.

خلال أشهر الحرب الأولى على غزة، عجزت الفصائل الفلسطينية في لبنان عن توحيد  سكان مخميات اللاجئين تحت راية واحدة ولم يتمكنوا من المشاركة في مسيرة موحّدة، مكتفية بوقفات خجولة وخطابات جوفاء وشعارات باهتة، هذا الانقسام لم يُضر فقط بصورة الفلسطيني في لبنان، بل امتد أثره ليضعف من وهج القضية الفلسطينية ذاتها، ويبتعد كثيرا عن دعم أهل غزة، الذين تعرضوا لإبادة جماعية لم يشهدها تاريخنا المعاصر.

ما حدث في ليلة الإعلان عن وقف إطلاق النار أظهر بوضوح أن الفلسطينيين في لبنان لم يستوعبوا بعد حجم التحولات الكبرى التي أصابت لبنان والمنطقة. وأكدوا، بوعي أو بغير وعي، استمرارهم في دائرة “المراهقة السياسية”، التي جعلتهم يسلطون الضوء على سلاح بات عبئاً على القضية، بدلاً من أن يكون نصيراً لها.

الرصاص العشوائي، الذي انطلق من المخيمات على امتداد الجغرافيا اللبنانية تلك الليلة، كان بمثابة جرس إنذار سريع لفتح ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، خاصة بعدما أعلنت الدولة اللبنانية إنهاء ملف السلاح خارجها بشكل نهائي، وهنا يبرز السؤال الحتمي: ما مبرر هذا السلاح اليوم؟ هل هو لتحرير فلسطين أم لحماية المخيمات؟

إنَّ استخلاص العِبر والدروس من التجارب السياسية الماضية، بما لها من إيجابيات وما عليها من مآخذ، يُعدُّ واجبًا وطنيًا لا غنى عنه لصياغة رؤية حصينة تشكِّل جدارًا واقيًا لوجود الفلسطينيين في لبنان. هذه الرؤية يجب أن ترتكز على حقوقٍ أساسية تحفظ كرامتهم وتصون وجودهم بعيدًا عن الشعارات البالية، التي أثقلها الزمن وأفرغها من مضمونها.

ففي مخيم عين الحلوة ما زالت آثار المعركة، التي عصفت به صيف عام 2022 شاهدة على حجم المأساة وفداحة الخسائر، تلك المعركة، التي لم تكتفِ بتدمير مجمع المدارس داخل المخيم، لكنها منحت وكالة “الأونروا” الذريعة التي لطالما بحثت عنها لتقليص خدماتها، وإهمال مسؤولياتها تجاه اللاجئين.

ولعلّ المفارقة الموجعة تكمن في أنَّ ما دمَّرته “البندقية التائهة” لم يُعاد بناؤه حتى اليوم، ليظل السلاح الفلسطيني عنوانًا لعجزٍ مستمرٍّ عن تحقيق أي مكاسب تُذكر، سواء على صعيد استرداد الحقوق أو توفير الحماية. إن هذه الدروس القاسية تدعونا جميعًا للتفكير بعمق وإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم القضية ويعيد الأمل إلى نفوس شعبٍ صمد رغم الجراح.

ربما حان الوقت لإعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية بما يتلاءم مع الواقع الجديد في لبنان، لا سيما مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي أشار في خطاب القسم إلى ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، بما فيها المخيمات الفلسطينية. لكن يبدو أن الفلسطينيين لم يدركوا الرسالة بعد.

الحقيقة المؤلمة هي أن الفلسطينيين في لبنان يعيشون في حالة من غياب الوعي. لقد أضعفتهم سياسات متعاقبة صاغها لبنانيون وفلسطينيون على حد سواء، هدفت إلى تحويلهم من حملة قضية كبرى إلى مجرد طلاب عيش يومي، لكن الوقت قد حان لاستعادة البوصلة، والنهوض بمجتمع كان يوماً رائداً في إنتاج المفكرين، والكتّاب، والسياسيين، والفنانين، دون التنازل عن الحق في حياة كريمة تعيد لهم إنسانيتهم التي انتُهكت وقضيتهم التي يحاول البعض تشويهها وتركها على هامش التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *