اخر الاخبار

السعيد من اجتنب الفتن!!

 هناك دعاء حثنا المعصوم عليه الصلاة والسلام أن ندعو به عقب التشهد، وأصله حديث مخرّج عند الشيخين عن أمنا عائشة رضي الله عنها: “اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا، وفتنة الممات”. والشاهد فيه: “وأعوذ بك من فتنة المحيا”، الفتن لا تدفع إلا بالالتجاء إلى الله، والاستعانة به في دفع شرورها، والتحرز من الوقوع فيها، والحماية من مفاسدها، الفتن مزلقها عظيم، ووقعها على النفوس خطير، قلّ من ينجو منها ويسلم من ضررها، ولها وقع عظيم على نفس المؤمن وقلبه.

والفتن أنواع كثير؛ فمن ذلكم فتنة التكفير، والتي حذر منها النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما»، وهو باب خطير، وأول من انتحل هذه النحلة الخبيثة الخوارج الذين كفروا المسلمين، واستحلوا دماءهم، ومنها فتنة الهرج أي: القتل: «إن بين يدي الساعة الهرج»، قالوا: ما الهرج؟ قال: “القتل”، ومنها فتنة انقلاب الموازين: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة»، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».

ومن ذلك فتنة المال: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، وفتنة الأولاد: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، وفتنة النساء: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}. قال ابن بطال المالكي رحمه الله عند قوله صلّى الله عليه وسلم: “أعوذ بك من فتنة المحيا، وفتنة الممات”، (هذه كلمة ‌جامعة ‌لمعان ‌كثيرة، وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل، ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه).

فالمأمول من المسلم تجنب الفتن والفرار منها: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}، قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: (قرأت هذه الآية زمانا وما أُرانا من أهلها، فإذا ‌نحن ‌المعنيون ‌بها)، ومقصود الآية: اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب ‌الصالح ‌والطالح. وحث النبي صلّى الله عليه وسلم على اجتناب الفتن والبعد عنها: “ستكون فتن؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأ أو مَعاذا فليعذ به”.

والمسلم كلما ابتعد عن الفتن كان أسلم لدينه: “يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن”، فالسعيد من اجتنب الفتن وفر منها: “إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فَوَاهًا”، (فواها) أي: حسرة.

والشارع الحكيم حثنا على الصبر عند وقوع الفتن: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه؛ كالقابض على الجمر”، ولما شكا الناس إلى أنس رضي الله عنه ما يلقون من فتنة الحجاج دلهم على الصبر، فعن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: “اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم”.

ومن عوامل الثبات على الدين عند الفتن المبادرة إلى الطاعات، والمسارعة إلى الصالحات؛ لأن العبادة تقوي صلة العبد بربه، وتحميه منها فيقوى إيمانه، فلا تجد الفتن إلى قلبه سبيلا: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”. فالعبادة وقت نزول الفتن بمنزلة الهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “العبادة في الهرج كهجرة إليّ”، وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية.. والله ولي التوفيق.

*إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي براقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *