اخر الاخبار

الرقابة أساس الجودة والسلامة

 يتعرض الإنسان في بلادنا لأخطار كثيرة بسبب ضعف الرقابة، هناك غياب تمام للرقيب على إنجاز المشاريع وتصنيع المواد وإنتاج الأغذية والتزام العمال والمقاولين والموظفين والأطباء والمعلمين بمواعيد العمل وجودته مما تسبب ويتسبب في وقوع الكثير من الحوادث والتي في كثير من الأحيان ما تؤدي إلى هلاك الإنسان أو إصابته في نفسه أو ضياع أمواله ووقته.

وللرقابة أهميتها البالغة وأثرها الفعال في المحافظة على الموارد الاقتصادية للدول، وكذلك المحافظة على حقوق الأفراد من الإهمال أو التعدي والمصادرة.

ولقد أولى الله تعالى الرقابة اهتماما كبيرا؛ حيث ثبتت مشروعية الرقابة في القرآن الكريم في آيات عدة، وضعت أسس الرقابة الاقتصادية والمالية في الإسلام، منها قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}، وقوله تعالى: {وما كان لنبي أن يَغُلَّ ومن يَغلُل يأت بما غلَّ يوم القيامة ثم تُوَفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.

وكان للرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم الأثر الكبير في تطبيق الرقابة الإدارية والاقتصادية والمالية في الدولة الإسلامية، وقد شدد على أثر الرقيب في ذلك؛ لما له من أهمية في حفظ الدولة من الفساد، والمحافظة على الحقوق والممتلكات العامة، وكذلك الحفاظ على عمال المسلمين من الانزلاق في المحظور.

وكان صلّى الله عليه وسلم عندما يبعث واحدا من المسلمين في مهمة من مهام الدولة يوصيه في بعض الوصايا التي تجنبه الخيانة، وثلم الأمانة، فقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم قوله: “من بعثناه على عمل، فغلّ شيئا، جاء يوم القيامة يحمل على عنقه”، وقال أيضا: “هدايا الولاة غلول”. كما أورد مسلم في صحيحه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت بللا، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام”، قال: أصابته السماء يا رسول، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ مَن غشّ فليس منّي”.

وعندما ظهرت مخالفات كثيرة أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يعالج هذا الاعوجاج بصرامة وحكمة، فعين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سوق المدينة، وسعيد بن العاص رضي الله عنه على سوق مكة، وعلى نهجه سار الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون وولاة الأمصار حتى أزمنتنا الحديثة هذه، مع فارق في التسميات والوظائف وبعض التحديث بحكم اختلاف العصور.

وقد كان صلّى الله عليه وسلم يراقب ولاته وعماله، رغم أن صحابته من المشهود لهم بالرقابة الذاتية، فهم يخافون الله في السر والعلانية، إلا أن الإنسان مخلوق ضعيف، ليس معصوما من الخطأ، وقصة الرسول صلّى الله عليه وسلم مع ابن اللُّتْبِيَّةِ مشهورة في هذا.

وقد أصّل الدين الإسلامي لمعنى وقيمة الإتقان أو الإحسان وهي (فكر الجودة) فالمسلم في جميع أعماله الدينية والدنيوية مطالب ليس لمجرد الانصياع والقيام بالعمل فحسب، بل يتعداه إلى العمل المتقن، قال تعالى: {صُنع الله الذي أتقن كل شيء}؛ ولهذا فإن رؤية إدارة الجودة الشاملة يعزز من قيمة هذا النظام ويزيد من فرص تطبيقه في المجتمعات الإسلامية، كما سبق لسلفنا الصالح تطبيقه في كثير من المجالات الدينية والدنيوية.

والإتقان جزء من مطالب الإنسان المسلم باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادة لله، وإعمارا للأرض، واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات لا يصل إليها إلا بالعمل والعمل الجاد المجود. لذلك كانت مطالبة الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يتقن الإنسان عمله: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، كما أكد النبي صلّى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء” بما يفيد عموم الإحسان لكافة مجالات الحياة والإحسان هو مرتبة أعلى من الإتقان.

ووفق الأنظمة والقوانين تسعى الرقابة إلى تحقيق العديد من الأهداف التي من شأنها تقويم مؤسسات الدولة، وضبط سيرها على المعمول بها، وما يحقق مصالح الدولة العليا، ومن هذه الأهداف:
الهدف السياسي: ويعني التحقق من أن أجهزة الخدمة المدنية، والمؤسسات الرسمية تطبق ما وافقت عليه السلطة التشريعية من تشريعات وقوانين وسياسات عامة.

الهدف المالي: التحقق من صحة الحسابات العامة، وسلامة التصرفات والإجراءات المالية، وكشف الانحرافات والأخطاء المالية والاختلاسات وغيرها.

الهدف الإداري: التأكد من حسن سير العمل في جميع مراحله من تخطيط، التنفيذ، المتابعة، وأن الأنظمة الإدارية المطبقة تحقق أكبر نفع ممكن بأقل النفقات.

يقول تعالى: {إن الله كان عليكم رقيبا}؛ إن للرقابة في الإسلام أهمية كبرى لما لها من أثر في حفظ الإنسان والأموال، وصيانة الحقوق، وإن مبدأ الرقابة في حياة المسلم تكون للتأكد من تحقيق الأهداف الموضوعة بصورة دقيقة وفقاً للمقاييس والمعايير والضوابط الشرعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *