اخر الاخبار

الرفيق ابو حيدر …كم أوجع قلبي هذا الرحيل  

أمد/  بالامس الثلاثاء وقبل حلول ساعات المساء انتهزت فرصة توقف القصف المتواصل على الاحياء الغربية الشمالية من مدينة غزة حيث أقيم وتناولت هاتفي للتحدث مع الرفيقة ام عمر محاولاً كما اعتدت واعتاد  هو الاطمئنان علينا ،

سألتها عن حال  الرفيق الكبير ابو حيدر عبد الرحمن عوض الله حيث يقيم في رام الله ، ام عمر ردت بصوتها الحزين المتهدج ان ابو حيدر في وضع صعب يتنقل بصعوبة لكنه لم يفقد ذاكرته المتقدة و كما قالت ام عمر هو دائم السؤال ويقول طمنوني على الرفيق ابو حسين عائلته،

 اليوم الاربعاء مع ساعات المساء أيضاً هاتفني الرفيق بسام زكي الذي طالما كان يذهب معي لزيارته وهو  من  الرفاق الذين يعرفون عمق العلاقة بيننا لينقل لي بحزن شديد نبأ وفاة ابو حيدر. اليوم رحل ابو حيدر هذا القائد الشيوعي الفذ والوطني بلا منازع  سلك درباً تقدمياً منذ نعومة أظافره حيث ولد في أسدود عام ١٩٣١ وشق طريقه في كنف اسرة تميزت بحبها للأرض في ريعان شبابها انحاز للفكر التقدمي وانتمى لعصبة التحرر الوطني في فلسطين، وما ان حلت نكبة عام ١٩٤٨ حتى هاجر ابو حيدر مع اسرته مشياً على الاقدام حتى حط به الرحال أولاً في حي الشجاعية، ومن ثم انتقل إلى مخيم النصيرات ولم يستسلم ابو حيدر لواقع اللجوء المر وكان من اوائل الذين عملوا على تعليم الاطفال في الخيام مستنداً،  على ما حاز عليه من  تعليم.

قبل النكبة بحث مع رفاقه الذين نزحوا عن صواب الطريق وبرفقة وقيادة معين بسيسو  شكلوا في اب عام ١٩٥٣ الحزب الشيوعي الفلسطيني، واكدو بذلك ان قطاع غزة ارضاً فلسطينية رغم انها وقعت تحت الادارة المصرية انذاك ، وفي مدارس وكالة الغوث تجلت قدرته التحريضية ونشاطه بين الطلبة  لمقاومة اثار اللجوء والتأكيد على الحقوق الفلسطينية، ومقاومة كل محاولات التدجين التي برزت انذاك ،

اشتد عود الحزب وقوى بنيانه وبات التنظيم الأساسي الوحيد في قطاع غزة الذي  يحمل اسم فلسطين ويرفض تذويبها عبر محاولات تصفية قضية اللاجئين،  وحين طرح مشروع جونسون وقبله الرئيس جمال عبد الناصر لتوطين اللاجئين الفلسطينين في سيناء عام ١٩٥٥ ، قاد الحزب وفي مقدمته معين بسيسو وعبد الرحمن عوض الله ابو حيدر المظاهرات التي عمت ارجاء القطاع في اذار عام ١٩٥٥ ، للمطالبة باسقاط مشروع التوطين.

وقاد ابو حيدر  الطلاب من مدارس اللاجئين في النصيرات سيراً على الاقدام ليلتحقوا بالجموع الهادرة في ميدان السرايا وسط مدينة غزة،  حيث علا الهتاف ” لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان “، وحين اشتدت أوار التظاهرة أطلق الرصاص على معين بسيسو وافتداه رفيقه الشهيد حسني بلال، وهتفو معا “يا فم حسني بلال الدم سال وقال الموت للرجعية الموت للاحتلال”.

  اليوم يرحل ابو حيدر وما زال مشروع تهجير شعبنا في قطاع غزة قائماً تحاول حكومة الاحتلال فرضه منذ ١٥ شهراً بالنار والدمار ، ذلك المشروع سقط بارادة شعبنا الفلسطيني بقيادة الشيوعين والوطنيين الفلسطينين حيث اعلن الراحل جمال عيد الناصر ان مشروع توطين اللاجئين الفلسطينين في سيناء اصبح غير قائم،  واتخذ قراراً بابرام صفقة سلاح مع تشيكوسلوفاكيا في انعطافة حادة نحو العلاقة مع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي ،، ان هذه التظاهرات التي أسقطت مشروع التوطين ورغم تعهد ادارة الحاكم حينها انها لن تتعرض لقادتها مثلت محطة بارزة في كفاح الشعب الفلسطيني وقدرته على اسقاط مشاريع التصفية ،

دفعت ايضاً الادارة المصرية الحاكمة حينها للقيام بعد ايام من اسقاط مشروع التوطين بحملة اعتقالات واسعة طالت اكثر من ٧١ من اعضاء الحزب الشيوعي واصدقاءه علاوة على اعتقال عدد من اعضاء الاخوان المسلمين ،

يومها اعتقل  ابو حيدر  وأمضى تسع سنوات في السجن الحربي في الواحات وذاق مع رفاق  قسوة التعذيب وسياط الجلادين التي حفرت أخاديد على ظهره وظهر رفاقه صمد ابو حيدر  رغم انياب الكلاب التي كانت تنغرس في اللحم الفلسطيني الحنين ، صمدوا وحولوا الصحراء إلى مزرعة، صمد ابو حيدر  ولم يستنكر شيوعيته بل تحدى السجن وحاز على شهادة الثانوية العامة وهو سجين ،

أمضى تسع سنوات وخرج مرفوع الرأس اكثر صلابة واشد عزيمة من ذي قبل وواصل دوره التقدمي والوطني في الحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى مكانة غزة كمان شكل قاعدة للنهوض بالوطنية الفلسطينية وبيئة حاضنة لانطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية ان هذا الدور وهذه البصمة  لا يمكن لاحد ان يتجاهلها حيث مثلت قطاع غزة المكان الذي حافظ على فلسطينيته رغم الصعاب .

وحين وقع الاحتلال عام ١٩٦٧  وفرض الاحتلال حكماًعسكرياً وحشياً بادر الحزب وابو حيدر في قيادته على اصدار العديد من البيانات التي تحث على الصمود والمقاومة وتشكيل المقاومة الشعبية وشكل الحزب حينها  جناحه العسكري بقياده الرفيق الشهيد عمر عوض الله رفيق ابو حيدر الذي أطلق اسم ابنه عمر على اسمه  ،،واستمر  ابو حيدر بدوره قائداً صلباً ومعلماً محبوباً بين شعبه إلى ان اشتد عليه الخناق وغادر بقرار من الحزب إلى الاردن، وهناك تجلت قدرته القياديه بين أواسط الشعب ومخيمات اللاجئين حيث كان له بصمة في تشكيل اللجان الشعبية هناك إلى جانب عمله معلماً في مدارس وكالة الغوث ،

كما تجلت وطنية ابو حيدر في قدرته على نسج اوسع العلاقات مع قادة الفصائل الفلسطينية وعمل على حل الكثير من الخلافات بينها احترمه الجميع لهذا الدور الذي لم يكن محصوراً بفئوية بل محكومة برؤية وطنية ببعد تقدمي ومن هناك حافظ على دعم رفاقه في غزة بكل ما يمكنه ليتمكنوا من مواصلة الكفاح  والى جانب ذلك عمل على نسج امتن العلاقات مع الاحزاب التقدمية العربية والعالمية ووظف ذلك لخدمة ابناء شعبه في مختلف المناطق ،

وبعد اضطراره للخروج من الاردن مطلع سبعينات القرن الماضي. سكن في درعا واختار المخيم كمكان للإقامة فالمخيم بالنسبة له محطة العودة للبلاد  ومن مخيّم اليرموك واصل عطاءه المتدفق حزبياً ووطنياً وامتد نشاطه إلى لبنان معتمداً على سمعته الحسنة وعلاقاته الطيبة مع الجميع حيث  على تشكيل منظمة الشيوعين الفلسطينين في لبنان عام ١٩٧٥، والتي تحولت إلى منظمة الحزب الشيوعي الفلسطيني / قطاع غزة وكان لي شرف الانضمام لها ،

 ومنذ اقامته سوريا تحول ابو حيدر إلى دينمو لا يتوقف في تجوله المعطاء من مخيم إلى مخيم ومن مكتب إلى مكتب للفصائل الفلسطينية والأحزاب التقدمية كما كل سفارات الدول الاشتراكية بحثاً عن اي دعم لشعبه ولمنحك دراسية لطالب هنا واخر هناك  وكم هم الطلبة الذين لعب ابو حيدر دوراً في الحصول لهم على منحة لإكمال تعليمهم ليس ذلك فحسب فقط تحول بيته إلى مكان نأوي اليه نحن الذين كنا.

نذهب من قواعد الفدائين من لبنان او اولائك الطلبة الذين يحضرون لدمشق لهذا  او ذاك اضافة لاستقبال الرفاق من ساحات مختلفة خاصة المتطوعين للقتال في معارك الثورة في لبنان علاوة على العديد من الاسر التي كانت تحضر من غزة تبحث عن ابناءها فكان بيت ابو حيدر الملاذ ومعه الرفيقة ام عمر التي تحملت معه أعباء رحلة الكفاح الطويلة لم تشكو ولم تئن وكانت نبعاً من الحنان والعطاء الذي لا ينضب وأبناءه وبناته الذين استقبلوا كل من طرق الباب بمودة ومحبة ، رحل اليوم ابو حيدر بعد رحلة تنقل خلالها في كل الساحات في لبنان كان دائم الحضور قبل الاجتياح عام ١٩٨٢ يوظف كل علاقاته امكاناته للتعزيز دور الحزب وفتح افاق العلاقات الأممية والوطنية امامه  لم يغب عن ذهنه قط اهمية وحدة الشيوعيين الفلسطينين وحزبهم الموحد إلى ان تحقق ذلك عام ١٩٨٢ اذكر ذلك وهو الذي زف لنا خبر انظمام  الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة. للحزب الشيوعي الفلسطيني الذي توحد تحت رايته الشيوعيون الفلسطينون ،

واصل دوره الرفاقي  كعضو في اللجنة المركزية للحزب وكعضو في المجلسين المركزي والوطني الفلسطيني ممثلاً للحزب وقد كان خير ممثل للحزب  وبرز  دوره إلى جانب رفاقه في التحضير للمجلس الوطني التوحيدي ١٩٨٧  الذي اصبح فيه الحزب عضو في اللجنة التنفيذية للمنظمة ومنذ ذلك التاريخ وابو حيدر يلعب دوراً وطنيا اكثر شمولية بما هو اوسع من دوره الحزبي وكما كان يقول ان الوطني الحق هو الاممي الحق ،

استمر ابو حيدر على هذا الطريق ورغم إبعاده عن سوريا إلى قبرص عمل بتكليف من الحزب على انشاء مجلة صوت الوطن ورأس تحريرها إلى ان غدت لسنوات منيراً لكل التقدميين والوطنين الفلسطينين والعرب وعلى صفحاتها كتب عام ١٩٩١ وجهة نظره التي اعترض فيها واتفقت معه وغيري في لبنان فيما يتعلق بالتغييرات التي اقدم عليها الحزب وتغيير اسمه من الحزب الشيوعي إلى حزب الشعب ،

وحين سمحت لابو حيدر العودة لقطاع غزة التي احب بعد توقيع اتفاق اوسلو سارع للعودة وعمل في وزارة التربية والتعليم علاوة على دوره كعضو  في  اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب وعضوا في الامانة العامة حتى اقعده المرض بعد ان لم يعد جسمه الصلب على التحمل اكثر. واصيب بعدة جلطات أقعدته في المنزل في مدينة غزة وبعد ان حصل الانقسام واشتد الظلام لم يعد ابو حيدر قادر على رؤية غزة بوضع كهذا فرحل إلى رامالله لكنه كما كان يقول لي في كل زيارة انني اشتاق لغزة وسأعود اليها في اقرب فرصة ،،

اليوم مع مساء الاربعاء رحل ابو حيدر فقده حزبنا وشعبنا رحل ابو حيدر  وغزة التي احب. ترزح تحت وطأة عدوان وحرب ابادة شاملة رح ابو حيدر الرفيق الكبير صاحب القلب  الطيب الحنون الذي أضناه المرض كما أتعبته أشياء اخرى . وداعا الرفيق  الحبيب ابو حيدر لقد أوجعت قلبي بهذا الرحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *