الرباط تضيّق على الإعلام الفرنسي وتهاجم الرئيس ماكرون
موازاة مع الأزمة السياسية بين باريس والرباط، التي أخذت أبعادا غير مسبوقة، اندلعت حرب إعلامية زادت حدتها منذ الزلزال الأخير الذي ضرب المغرب، حيث اتهمت السلطات المغربية وأذرعها الإعلامية الإعلام الفرنسي بعدم المهنية ونشر أخبار مغلوطة، كما رحّلت صحفيين كانوا يقومون بتغطية الكارثة الطبيعية، وسخرت مواقع محسوبة على القصر لمهاجمة الرئيس ماكرون والخوض في حياته الخاصة.
الظاهر أن المغرب أعلن الحرب على الإعلام الفرنسي وعلى الرئيس ماكرون في عز أزمة سياسية حادة بين الرباط وباريس، مع تسجيل منحنى تصاعدي في عدد المقالات التي تخصص للمغرب، خاصة الملك محمد السادس الذي أصبح حاضرا بشكل دوري على صدر الصفحات الأولى للجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية الإخبارية الفرنسية، على غرار أسبوعية “ماريان” و”لكسبريس” و”شارلي إيبدو” وغيرها وحتى في وسائل الإعلام الثقيلة، ونفس الأمر يلاحظ في وسائل الإعلام المغربية، خاصة تلك المحسوبة على القصر، التي لم تدخر جهدا في مهاجمة فرنسا والتركيز بشكل كبير على الرئيس ماكرون.
ودفعت أسبوعية “ماريان” التي خصصت منذ أشهر قليلة عددا حول ممارسات المخزن الثمن، حيث تم طرد اثنين من صحفييها كانا يقومان بإعداد تقارير حول مخلفات الزلزال وطريقة التكفل بالضحايا في المغرب وعن حياة محمد السادس وعلاقته برعيته.
واستعرت حرب إعلامية بين المجلة والسلطات المغربية، حيث ردت مجلة “ماريان” على تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أكد فيها أن الصحفيين لم يكن لديهما اعتماد للعمل في المغرب وأنهما دخلا كسائحين، بأن التبرير خاطئ من أساسه لأنه في المغرب “يضطر الصحفيون الأجانب إلى الاستغناء عن هذا الاعتماد وهذا للعمل بشكل مستقل في مملكة محمد السادس”. وأوضحت المجلة الفرنسية في ردها أن المغرب يحتل المركز 144 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، مضيفة أنه أحد البلدان التي تخلى فيها الصحفيون، منذ وقت طويل، عن فكرة طلب أي تصريح، حيث تظل هذه الطلبات دائما بلا جدوى.. طالما أن الأمر لا يتعلق بشيء غير الترويج لجمال المناظر الطبيعية وجودة الطعام في البلاد.
وكانت السلطات الأمنية قد أوقفت مراسلي صحيفة “ماريان” الفرنسية، كونتان مولر وتيريز دي كامبو، في الدار البيضاء، قبل أن تقوم بطردهما إلى باريس الأسبوع الماضي.
وأوضح الصحفي كونتان مولر في تصريح صحفي أن “الساعة كانت تشير إلى الثالثة صباحا من يوم الأربعاء في الدار البيضاء، عندما طرق حوالي عشرة رجال باب غرفة في فندق “نوفيتيل” الذي وصلناه في اليوم السابق بشارع سيدي بلتوت”. وأردف “لقد وضعونا في سيارة وأخبرونا أنه غير مرحب بنا وأننا نزعجهم وأنهم سيضعوننا على متن الطائرة التالية المتجهة إلى فرنسا!”. واستشهدت المجلة بتصريحات لتيريز دي كامبو، الصحفية المستقلة التي تعرف المملكة جيدا تقول فيه: “يمكنني أن أؤكد لكم أنه من بين مئات الصحفيين الذين جاؤوا في الأيام القليلة الماضية لتغطية عواقب الزلزال كان على عدد قليل جدا الحصول على إذن”.
وأضافت صحيفة “ماريان” أن حجة التصريح لا تصمد، معتبرة أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه صحفيوها هو “أنهم أرادوا التحقيق في موضوع يثير التساؤلات: وهو علاقة المغاربة بملكهم بعد غيابه الغريب بعد الزلزال”.
وذكرت الصحيفة أن “وجود تصريح لا يحميك من سخط الملك”. وأضافت أن “صحفيي جريدة “أخبار اليوم” التي أغلقت أبوابها بعد نحو خمسة عشر عامًا من وجودها يعلمون ذلك جيدا”. وأبرزت أن “سليمان الريسوني ومدير نشره توفيق بوعشرين كان لديهما جميع التصاريح الممكنة، بما في ذلك بطاقة صحفية من المملكة.. ومع ذلك فإن ذلك لم يمنعهما اليوم من التعتيم داخل السجون”.
وأبرزت الصحيفة أن فريقها وصل إلى المغرب، الجمعة ما قبل الماضي، لإنجاز تحقيق حول الطريقة التي ينظر بها الشعب المغربي إلى الملك محمد السادس باعتباره متحفظا بشكل خاص، كما أكدت الصحيفة أن “هذا الطرد دليل على مدى الصعوبة التي يواجهها الصحفيون الأجانب أو المحليون في العمل في هذا البلد”. ونددت منظمة “مراسلون بلا حدود”، عبر منصة إكس (تويتر سابقا)، بـ”الهجمة الوحشية وغير المقبولة على حرية الصحافة في المغرب”.
لكن المثير في الموضوع أن السلطات المغربية ركزت في مواقفها فقط على الإعلام الفرنسي، بالرغم من أن وسائل إعلامية دولية وجّهت انتقادات كبيرة لمحمد السادس بسبب سوء إدارته للكارثة الطبيعية، على غرار ما كتبته وكالة “رويترز” و”نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”، لكن الرباط لم تبد أي موقف رغم حدة المقالات التي تم تداولها بشكل واسع دوليا.
ويكشف تباين الموقف المغربي عن سياسة ممنهجة من طرف أعلى السلطات في المغرب للتحرش بوسائل الإعلام الفرنسية، الذي بلغ حد قيادة هجمة ضد الرئيس الفرنسي شخصيا، وهو ما تجلى في المقال الأخير الذي نشره موقع 360 المغربي الذي يتبع منير الماجدي، المستشار الخاص لمحمد السادس، تحت عنوان “قليل رجل وقليل امرأة، لكنه لا يتحمل شيئا، من هو إيمانويل ماكرون؟”، إذ يلخص العنوان كل شيء عن ما ورد فيه من تهم للرئيس الفرنسي وعن حياته الخاصة.