أمد/ في الأيام الأخيرة، أشارت تقارير ميدانية إلى أن عددًا من المقاتلين التابعين لحركة حماس والمتمركزين في مناطق قريبة من “الخط الأصفر” يواجهون صعوبات متزايدة في التواصل مع قيادتهم، وسط ظروف ميدانية تتسم بالتعقيد والغموض.
ويبدو أن الوضع في تلك المناطق يتسم بحركة ميدانية متقلبة يصعب التنبؤ بها، حيث تتداخل العمليات العسكرية مع التحركات الفردية، بينما يتراجع مستوى التواصل المنظم بين الميدان والمركز. هذا الواقع جعل بعض الوحدات الميدانية في حالة شبه عزلة، قد تكون مؤقتة لكنها تكشف عن تحديات أعمق في منظومة التنسيق والإمداد داخل الحركة.
ووفقًا لمصادر محلية وشهود في المناطق الحدودية، حاول بعض المقاتلين التواصل مع عائلاتهم خلال الساعات الماضية لنقل تفاصيل أوضاعهم أو طلب المساندة عبر قنوات مدنية، بعد تعذر الاتصال المباشر بالقيادات. وتُظهر هذه الاتصالات — التي تمت بوسائل غير مألوفة — محاولات فردية للتغلب على انقطاع الإمداد وضعف التنسيق، في ظل تضارب المعلومات حول أوضاع المقاتلين الذين ما زالوا في مناطق تماس يصعب الوصول إليها.
ويرى مراقبون أن الحديث المتكرر عن “تراجع خطوط الإمداد” لم يعد مجرد إشاعة، بل مؤشراً على اختبار حقيقي لقدرة الحركة على إدارة شبكاتها الميدانية تحت ضغط متصاعد. فالمشهد الميداني، وفق وصف تقارير ميدانية، يشهد تغيّرًا في مسارات النقل والإخلاء والتموين، ومعه تتراجع فعالية منظومة القيادة والسيطرة، وهو ما ينعكس سلباً على الروح المعنوية لدى المقاتلين الذين يواجهون ظروفًا صعبة تشمل نقص الذخيرة وتراجع الإمداد الغذائي والمائي، إضافة إلى ضعف التواصل المعنوي مع القيادات العليا.
هذه الحالة من العزلة الميدانية تضع المقاتلين أمام تحدٍ مزدوج: خطر المواجهة المباشرة من جهة، وغموض التوجيهات من جهة أخرى. فمع استمرار القصف في محيطهم وتعطل بعض قنوات الاتصال المشفرة، بات الاعتماد على المبادرات الفردية أكثر وضوحاً. وفي حالات معينة، تتخذ قرارات ميدانية من قبل مجموعات صغيرة دون الرجوع إلى المستويات القيادية العليا، مما يزيد احتمالات التضارب في التحرك والمخاطرة بانكشاف المواقع أمام القوات الإسرائيلية.
غياب التعليق الرسمي من قيادة حماس حول ما يجري على خطوط التماس يفتح الباب أمام قراءات متعددة؛ فبينما يرى البعض أن الحركة تفضل الصمت لتجنب إظهار أي ضعف في اتصالاتها الميدانية، يعتبر آخرون أن ما يحدث لا يتجاوز اضطرابات مؤقتة ناجمة عن الضغط العسكري المتواصل. في المقابل، يُلاحظ أن إدارة المعركة إعلاميًا باتت تواجه صعوبات مشابهة، حيث تأتي معظم المعلومات من مصادر غير مركزية، ما يقلل من وضوح المشهد العام ويضعف صورة السيطرة الشاملة التي سعت الحركة إلى ترسيخها في مراحل سابقة.
ويتفق محللون عسكريون على أن تراجع الاتصال لا يؤثر فقط على الأداء الميداني، بل على المعنويات أيضًا. فالمقاتل الذي يشعر بالعزلة يفقد تدريجيًا الثقة في فعالية القيادة، وتتحول المعركة من مشروع منظم إلى حالة دفاع فردي. وتشير بعض التقارير إلى أن مجموعات صغيرة أقدمت على انسحابات تكتيكية محدودة نحو مناطق أكثر أمانًا بقرارات ذاتية، ما يعكس ارتباكاً تكتيكياً محلياً يمكن أن يؤثر على توازن القوى في الجبهات الحدودية.
وتُظهر البيئة الميدانية القاسية حجم التحديات التي تواجهها الحركة، خاصة في ظل الضغط الإسرائيلي على خطوط الإمداد والأنفاق والمخازن. فكل عملية قصف أو تمشيط بري تفرض إعادة انتشار فورية، ومعها تزداد صعوبة التواصل. في هذه الحالات، يُضطر المقاتلون إلى استخدام وسائل بديلة مثل الإشارات أو الرسائل اليدوية، وهي أساليب ميدانية تقليدية تلجأ إليها الجيوش في ظروف الطوارئ حين تتعطل الاتصالات الرقمية.
وتؤكد مصادر عسكرية مطلعة أن إدارة الاتصالات باتت أحد أبرز التحديات في هذه المرحلة، إذ لم تعد المعركة تُدار بالسلاح وحده، بل بالمعلومات والتنسيق الزمني بين الوحدات الصغيرة المنتشرة في مناطق متباعدة. فكل تأخير في نقل معلومة قد يعني فشل كمين أو انكشاف موقع، الأمر الذي يجعل تطوير قنوات الاتصال الآمنة أولوية لدى أي تنظيم يعمل في بيئة عمليات كثيفة التشويش.
وعلى نطاق أوسع، يشير مراقبون إلى أن ما يجري على الخط الأصفر يعكس تحولًا في شكل المواجهة الميدانية، حيث تتراجع مركزية القرار ويزداد الاعتماد على المبادرات المحلية. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يفرض على الحركة إعادة النظر في هيكلها التنظيمي وفي منظومة القيادة والسيطرة بما يتناسب مع واقع متغير وسريع الإيقاع.
وفي الوقت ذاته، تمثل هذه الثغرات في الاتصال فرصة للخصم لاستنزاف خصمه ليس فقط عسكرياً بل تنظيمياً، إذ يمكن لأي خلل في التنسيق أن يتحول إلى نقطة ضعف استراتيجية. فكل وحدة معزولة تكون أكثر عرضة للاستهداف، ما يقلل من فعالية العمليات الموحدة ويمنح القوات الإسرائيلية تفوقاً ميدانياً مؤقتاً.
وفي ظل غياب معطيات رسمية مؤكدة، تبقى الصورة الميدانية ضبابية. لكن المؤكد أن المقاتلين في تلك المناطق يعيشون ظروفًا بالغة الصعوبة، تتراوح بين انقطاع الاتصال وضغط العمليات ونقص الموارد. وهي عناصر تجعل من إدارة المعركة تحديًا طويل النفس، لا يُقاس فقط بالقدرة على الصمود العسكري، بل بمدى الحفاظ على التماسك الداخلي واستمرارية التواصل في بيئة تتغير ملامحها كل يوم.
