أمد/ الحياةُ نهرٌ لا يهدأ…

ماؤهُ جريانٌ من عرقٍ ودمعٍ ودم،

كلُّ من عبرهُ لا بدَّ أن يُلقي حجراً في التيار،

أو يتركَ أثراً على الضفتين…

***

الحياةُ كفاح،

تُمسكها بيديك كالجمر،

وتحملها في صدرك كريحٍ عاتية،

تُصارع فيها الذئابَ المتربّصة،

وتقفُ في وجهِ الأسودِ المتغطرسة،

لتبقى واقفاً،

لا لأنك تملكُ القوّة دائماً،

بل لأنَّ السقوطَ خيانةٌ للمعنى،

ولأنَّ الهزيمةَ موتٌ قبلَ الموت…

***

الحياةُ مرآةُ صراعٍ قديمٍ،

بينَ فجرٍ يتفتّحُ بالندى،

وليلٍ يتكدّسُ بالظلام…

بينَ حقٍّ يلمعُ كالبرق،

وباطلٍ ينهارُ كغبارٍ في الريح…

***

فكُنْ فيها صامداً،

لا سيفك وحده ينقذك،

ولا قلمك وحده يُنير الدرب،

إنما الجمعُ بينهما،

بينَ الحديدِ والحبر،

بينَ النارِ والماء،

هو الذي يُبقيك حيّاً في المعنى،

ممتلئاً بالجدوى…

***

الحياةُ كفاحٌ لا يلين…

طالت أم قصرت،

هي خيطٌ مشدودٌ …

بين البداية والنهاية،

بينَ صعودٍ يتعثر،

وسقوطٍ ينهضُ من رماده…

***

فاصبرْ،

وازرعْ في قلبكَ …

جذورَ الزيتون،

واربطْ جرحكَ …

بخيطِ الأمل،

وجاهدْ في صمتٍ،

كما تجاهدُ الزهرةُ …

لتشقَّ الصخر،

وكما تجاهدُ النجمةُ …

لتضيءَ في قلبِ العتمة…

الحياةُ هيَّ الكفاحُ …!

…………………………………………

د. عبد الرحيم جاموس

الرياض/ الثلاثاء

2/9/2025 م

طاب صباحكم

نص أدبي جميل بقلم الدكتور عبد الرحيم جاموس يتناول فكرة الكفاح في الحياة بأسلوب بلاغي وشاعري. قراءة أدبية تحليلية للنص:

تحليل النص الأدبي “الحياة هي الكفاح”

يُفتتح النص بعبارة حاسمة ومباشرة: “الحياةُ هي الكفاحُ…!” وهي بمثابة عنوان وفكرة رئيسية تتكرر في نهاية النص لتؤكد على رسالته الجوهرية. يستخدم الكاتب صورة النهر الذي لا يهدأ في بداية النص ليرمز إلى الحياة.

هذا النهر يتدفق بـ”عرق ودمع ودم” في إشارة إلى الجهد والمعاناة والتضحية التي يبذلها الإنسان.

كل من يعبر هذا النهر “يُلقي حجراً” أو “يترك أثراً” مما يؤكد على أهمية أن يكون لوجودنا معنى وأن نترك بصمة في رحلة الحياة.

ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى استخدام صور قوية لوصف الكفاح

مثل “تمسكها بيديك كالجمر” و “تحملها في صدرك كريح عاتية” هذه الصور تجسد صعوبة الحياة وقسوتها لكنها في الوقت نفسه تبرز قوة الإنسان وصموده.

الصراع ليس فقط مع ظروف الحياة بل مع الشر المتمثل في “الذئاب المتربّصة” و “الأسود المتغطرسة”. وهنا يوضح الكاتب أن الصمود ليس دائمًا بسبب القوة المادية، بل لأنه “السقوط خيانة للمعنى” و”الهزيمة موت قبل الموت”.

هذه العبارات تحمل بُعدًا فلسفيًا عميقًا حيث تجعل من الكفاح التزامًا أخلاقيًا وحياةً حقيقية بينما الاستسلام هو نهاية للوجود قبل أن يأتي الموت الفعلي.

يستمر النص في استخدام ثنائيات متناقضة لتعميق فكرة الصراع:

• فجر يتفتح بالندى مقابل ليل يتكدس بالظلام.

• حق يلمع كالبرق مقابل باطل ينهار كغبار في الريح.

هذه الثنائيات تبرز أن الحياة هي ساحة معركة مستمرة بين الخير والشر بين النور والظلام وتؤكد على ضرورة الوقوف مع جانب الحق.

ثم يقدم الكاتب الحل والسبيل للنجاة في هذا الكفاح:

الجمع بين السيف والقلم أو بين الحديد والحبر.

هذه الصورة البليغة لا تدعو إلى القوة وحدها أو الفكر وحده بل تؤكد على أن القوة الحقيقية تكمن في الجمع بين العمل والفكر بين القوة والمعرفة.

هذا التوازن هو ما يجعل الإنسان “حيًّا في المعنى، ممتلئًا بالجدوى”.

يختتم النص برسالة دعوة إلى الصبر والمثابرة.

يدعو الكاتب إلى زراعة “جذور الزيتون” في القلب وهي رمز للأمل الخير والثبات.

كما يدعو إلى ربط الجرح “بخيط الأمل” في استعارة جميلة تشير إلى أن الشفاء والتعافي يأتيان من الإيمان بالمستقبل.

ويشبه الكفاح الصامت والمستمر بكفاح “الزهرة لتشق الصخر” و”النجمة لتضيء في قلب العتمة”. هذه التشبيهات تمنح الكفاح بعدًا طبيعيًا وكونيًا، وتُظهر أن الصمود هو جزء من قانون الوجود.

في الختام

النص هو قصيدة نثرية عن الحياة تُقدم فلسفة عميقة مفادها أن الكفاح ليس مجرد رد فعل على الصعاب بل هو جوهر الحياة الحقيقية وهو ما يمنح الوجود معناه وقيمته.

اللغة غنية بالصور البلاغية والاستعارات، مما يجعله نصًا أدبيًا مؤثرًا ومُلهمًا.

شاركها.