الحرية لا تُوهب، من لا ينتزعها… لا يستحقها

أمد/ الحرية ليست منحة تُقدَّم على طبق من ذهب، وليست صدقة تُلقى من أيدي الطغاة إلى الشعوب، بل هي حقٌ يُنتزع، وثمنها غالبًا دمٌ وتضحيات. ومن لم يملك الإرادة والشجاعة لانتزاع حريته، فلا يستحقها، لأنه ببساطة لم يدفع ثمنها، ولم يُدرك قيمتها.
تاريخ الشعوب يشهد أن الحرية لا تأتي استجداءً، ولا تتحقق بالصمت ولا بالتمني، بل تُولد في ميادين النضال، وتترعرع على أكتاف الأحرار، وتُسقى من دماء الشهداء. لم نسمع عن طاغيةٍ منح الحرية طواعية، بل كل طاغيةٍ أُجبر على التراجع حين واجه شعوبًا رفضت الخنوع، وكسرت قيودها بأيديها، ولم تنتظر أحدًا ليكسرها عنها.
أهل غزة، مثلًا، ليسوا أحرارًا لأن أحدًا منحهم الحرية، بل لأنهم أصروا على نيلها، وصبروا، وثبتوا، ودفعوا من دمائهم وأرواحهم ثمنًا باهظًا في سبيلها. هم الذين فهموا المعادلة جيدًا: إن لم تنتزع حقك، فسيظل مغتصبًا إلى الأبد. وإن لم تضحِ، فستبقى عبدًا مقهورًا لا نصير له.
المُرعب في واقعنا أن كثيرين ينتظرون أن تتحقق لهم الحرية بلا حركة، بلا موقف، بل ويظنون أن الصمت حكمة، وأن السلامة في الانحناء. والنتيجة أن الظالم يتمادى، والمستبد يزداد طغيانًا، والمحتل يتجذّر، في حين يقف البعض متفرجين، يكتفون بالدعاء أو التبرير أو الاستسلام.
الحرية لا تُوهب، لأنها ليست ملكًا لأحد ليمنحها، بل هي حقٌ إنساني، وإن لم ترفع صوتك وتخاطر من أجلها، فإنك تصبح جزءًا من منظومة القهر، شئت أم أبيت.
من أراد الحرية فعليه أن يسير على دربها الشائك، وأن يتحمّل ضريبتها، وأن يدرك أنها لا تأتي في لحظة، بل تُبنى بالتراكم، بالثبات، بالوعي، وبالرفض المستمر لكل صور الظلم والقهر.
فالحرية لا تُمنح، بل تُنتزع… ومن لا ينتزعها، لا يستحقها.