الجيش الصهيوني يتكبد الخسائر ويتخبط بين شمال غزة وجنوبها
بعد ستة أشهر كاملة من العدوان الصهيوني المدمر على قطاع غزة، لاتزال المقاومة الفلسطينية تحتفظ بالأسرى الإسرائيليين لديها. ولم يتمكن نتنياهو من تفكيك كتائب القسام التي أعلنت عشية دخول الحرب شهرها السابع مقتل 14 جنديا صهيونيا في عمليات نوعية بخان يونس، تلك المدينة الصغيرة التي استنزفت جيش الاحتلال منذ أربعة أشهر في معارك شرسة أخلطت حسابات حكومة تل أبيب، وسط حصار احتجاجات عائلات الأسرى وتزايد لومهم لها على إخفاقها أمام “عبقرية” المقاومة.
دخل العدوان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر شهره السابع الذي “دشنته” المقاومة الفلسطينية بصورة تليق ببسالتها، حيث كبَدت قوات الاحتلال خسائر جديدة وأعلنت عن تنفيذ عمليات أسقطت عددا من الجنود الإسرائيليين، كأنها تريد أن توصل رسائل إلى الصهاينة، مفادها أن المقاومة لاتزال تضرب بقوة في القطاع رغم الدمار والحصار وطول مدة العدوان.
وأعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مقتل 9 جنود إسرائيليين في منطقة الزنة شرقي خان يونس و5 آخرين في حي الأمل غربي المدينة، كما أكدت استهداف 4 دبابات من طراز “ميركافا” في الزنة وناقلة جند بحي الأمل في خان يونس وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح. وأشارت القسام في بيان إلى هبوط مروحيات إسرائيلية لإخلاء القتلى والجرحي من ساحة المعركة.
بدورها، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، تفجير دبابة من نوع “ميركافا 4” بعبوة برميلية من طراز ثاقب شرقي دير البلح وسط قطاع غزة. وكانت سرايا القدس قد نشرت يوم الجمعة الماضي مقطع فيديو يظهر مشاهد من داخل العقد القتالية في يوم القدس العالمي، موجهة التحية لكل محاور المقاومة، لترتفع حصيلة الجنود الصهاينة القتلى إلى نحو 600 جندي وضابط، بينما بلغ عدد المصابين منذ بداية العدوان في أكتوبر الماضي 3193، بينهم نحو 1550 خلال العملية البرية.
ومنذ أكثر من أربعة أشهر، تدور المعارك في خان يونس جنوب القطاع، تلك المدينة التي تعتبر معقلا للمقاومة وعقدة قتال ادخر لها جيش الاحتلال الكثير من قواته، وبالرغم من ذلك فإنه فشل في تحقيق أي من أهدافه هناك، كما هو الحال مع شمال القطاع، حيث تعرضت المدينة لقصف مكثف طوال الفترة الماضية، وأعلن جيش الاحتلال في جانفي الماضي عن دفعه بسبعة ألوية قتالية في هذه المدينة التي أصبحت كابوسا للصهاينة، وهي ذات ارتباط وثيق باسم رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب عز الدين القسام، محمد الضيف، اللذين ولد ونشأ كلاهما في مخيم خان يونس للاجئين.
ويواصل جيش الاحتلال الصهيوني غاراته وقصفه المدفعي على مناطق في قطاع غزة. وشنت طائرات الاحتلال سلسلة غارات على شمالي القطاع، على الرغم من أنه كان قد أعلن منذ شهور أنه قد استكمل عملياته العسكرية في الشمال، غير أن عودة المعارك إلى المناطق الشمالية من غزة كانت دليل آخر على تخبط الجيش الصهيوني الغارق في أوحال قطاع غزة الصغير والمحاصر والمدمر.
مقاومة أسطورية في قطاع صغير محاصر ومدمر
وأثبتت الصعوبات التي واجهها جيش الاحتلال الصهيوني في التوغل داخل مختلف محاور القتال بغزة قوة وشراسة المقاومة الفلسطينية، إلى درجة أنها افتكت اعترافات وشهادات بذلك حتى من داخل الكيان الصهيوني نفسه، حيث قال الكاتب الإسرائيلي آلون مزراحي، ليلة إتمام العدوان شهره السادس، إن ما يزداد وضوحا في هذه اللحظة الفريدة هو أن حركة حماس، التي وصفها بالحركة الفلسطينية الصغيرة، لم تهزم إسرائيل فحسب، بل هزمت الغرب بأكمله وغيرت مسار التاريخ خلال الشهور الستة الماضية.
وعدد الكاتب الإسرائيلي ما اعتبرها بعض أوجه الانتصار الذي حققته حماس، قائلا إنها انتصرت في ميدان المعركة بقطاع غزة وانتصرت في معركة كسب الرأي العام واستفادت بشكل مذهل من قراءتها للعقلية الإسرائيلية وتمكنت بالإضافة إلى ذلك من استخدام كل ما لديها من موارد بكفاءة عالية، مشيرا إلى أنه لم يتم تدمير حماس أو تفكيكها ومازالت تحتفظ تقريبا بكل الأسرى الذين أخذتهم قبل 6 أشهر، كما لم تستسلم لأي ضغط ومازالت تعمل وفعالة في قطاع صغير محاصر ومدمر تماما.
وأشار الكاتب إلى أن التاريخ سيحكم على الأشهر الستة الأخيرة باعتبارها واحدا من أكثر الإنجازات العسكرية العبقرية والمذهلة في التاريخ العسكري كله، وهو أمر لا يمكن تصوره، وفق قوله، حيث ألقى باللوم على إسرائيل، قائلا إن الطريقة التي خاضت بها الحرب جعلت من حماس أسطورة للمقاومة ستظل حية في الذاكرة الثقافية على مر العصور، وخلص إلى أنه لا أحد كان يعتقد أنه يمكنهم أن ينجحوا في هذا الأمر لكنهم فعلوا ذلك وغيروا التاريخ إلى الأبد، مشيرا إلى أن فلسطين لن تعود إلى الظل مرة أخرى. وتستمر حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة لليوم الـ184 على التوالي، مع تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع واستمرار النقص في المساعدات وشح المواد الغذائية والطبية، حيث خلف القصف المستمر على القطاع عشرات الآلاف من الشهداء، معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية غير مسبوقة ودمارا هائلا في البنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
وقد أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، أمس، ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر إلى “33 ألفا و175 شهيدا و75 ألفا و886 مصابا”. وقالت الوزارة في تقريرها الإحصائي اليومي إن الجيش الإسرائيلي ارتكب 4 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها إلى المستشفيات 38 شهيدا و71 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضي، علما أنه “مازال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.”
وتزداد الأزمة الإنسانية تفاقما، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة في أفريل أن نحو 30 طفلا توفوا جوعا وعطشا. وفي تقديرات لليونيسف في ديسمبر الماضي فإن الآلاف من الأطفال خسروا إحدى أو كلتا قدميهم جراء الحروب. وحسب تقرير منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في 5 أفريل، فقد قتل أكثر من 9,500 امرأة و14,500 طفل، وأُجبر ما يزيد عن حوالي 1.7 مليون شخص على النزوح داخليا.