أمد/ (قراءة في أدوار الجامعة العربية بين الخطاب والواقع)
منذ تأسيسها عام 1945، شُكّلت الجامعة العربية كمظلة طموحة للتكامل السياسي والاقتصادي بين الدول العربية. ورغم مرور أكثر من سبعة عقود، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: هل ما تزال الجامعة كيانًا قادرًا على التأثير وصناعة القرار، أم أنها باتت مجرد منبر للبيانات واللقاءات الرمزية؟
◐ نكسة الأداء العربي المشترك
مرت الجامعة العربية بمراحل صعود وهبوط، لكنها في العقود الأخيرة واجهت سلسلة من التحديات التي قلّصت من فعاليتها. فقد ظهرت عجزها الواضح في التعامل مع الأزمات الكبرى مثل الغزو الأمريكي للعراق، والانقسام الفلسطيني، والحرب في سوريا، واليمن، وليبيا. اكتفى كثير من المتابعين بوصف دور الجامعة في هذه القضايا بأنه أقرب إلى “المتفرج” منه إلى الفاعل المؤثر.
◐ غياب أدوات الإلزام وضعف الآليات
تكمن إحدى المعضلات الجوهرية في الجامعة في غياب آليات ملزمة لتنفيذ قراراتها، حيث تظل معظم قراراتها توصيات غير قابلة للتنفيذ دون إجماع سياسي. هذا الواقع جعل الجامعة غير قادرة على التدخل الحاسم أو حتى الوساطة الفعالة في النزاعات العربية.
كما أن البنية التنظيمية التي تعتمد على مبدأ “الإجماع” شلّت قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية، خصوصًا مع تصاعد الاستقطابات والانقسامات بين الدول الأعضاء.
◐ الإعلام بدل الفعل
مع توالي القمم العربية، تراجعت توقعات الشارع العربي إلى الحد الأدنى. بات المواطن يتوقع في ختام كل قمة “بيانًا ختاميًا” مكررًا، دون أي أثر واقعي. فهل تحوّلت الجامعة إلى مجرد منصة إعلامية لإعلان المواقف الشكلية وتبادل الكلمات البروتوكولية؟
ورغم كثافة التصريحات، إلا أن غياب التنفيذ الفعلي للقرارات المهمة ـ مثل دعم القضية الفلسطينية أو تقديم مبادرات مشتركة لحل النزاعات ـ جعل من الجامعة “واجهة” أكثر من كونها مؤسسة فاعلة.
◐ فرص العودة والدور المحتمل
رغم كل الانتقادات، ما تزال الجامعة تمتلك إمكانيات كامنة لإعادة التفعيل، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية جماعية، وإعادة هيكلة جادة لمنظومتها. بعض الخطوات، مثل عودة سوريا لمقعدها، ومحاولات الوساطة في بعض النزاعات، تُشير إلى إمكانيات للنهوض إذا ما تم العمل على تعزيز الاستقلالية، وتطوير آليات اتخاذ القرار.
كما أن العالم العربي بات أكثر حاجة لمنصة جامعة تنسّق السياسات وتواجه التحديات الإقليمية والدولية، سواء على صعيد الأمن المائي، أو ملفات الطاقة، أو التقلبات الاقتصادية، أو التكتلات الدولية الجديدة.
◐ الجامعة بين التهميش الذاتي والتهميش الخارجي
لا يمكن إنكار أن الجامعة لم تُهمَّش فقط من قِبل الفاعلين الدوليين، بل من الداخل العربي ذاته. فعدد من الدول بات يفضل التعاطي مع أزماته عبر تحالفات ثنائية أو تكتلات ضيقة أو الاعتماد على قوى دولية، متجاوزًا الإطار العربي. وهذا الخيار يزيد من عزل الجامعة، ويكرّس انفصالها عن الفعل الحقيقي.
◐ بين الواقع والطموح
ما زال الوقت متاحًا لكي تستعيد الجامعة العربية شيئًا من دورها، لكن ذلك مشروط بإصلاح جذري، وتحررها من الحسابات الضيقة، وتفعيل إرادة عربية موحدة تعيد للمؤسسة معناها ودورها.
فالمجتمعات العربية اليوم لا تحتاج لمزيد من البيانات، بل إلى كيانات تمثل صوتها، وتدافع عن قضاياها، وتحمل مشروعًا عربيًا مشتركًا في زمن أصبحت فيه التحالفات الإقليمية والدولية تُبنى على الفعل لا على الخطابة.