أمد/ الشعب الإيراني ينتفض حتى النصر رافضاً الاستسلام
منذ أربعة عقودٍ ونيف يعيش الشعب الإيراني تحت وطأة نظامٍ دينيٍّ استبداديٍّ جعل من القمع مؤسّسة، ومن الفقر سياسة، ومن الخداع أداةَ حكم.. وعلى الرغم من كلّ محاولات النظام لتكميم الأفواه ظلّت جذوة الثورة حيّة في القلوب تتجدّد مع كل شهيدٍ يسقط على أرض النهضة، ومع كلّ صرخة حريةٍ تُكسر بها جدران الخوف.. إنّ شعار “الثورة حتى النصر” لم يعد مجرّد شعارٍ سياسيٍّ أو حماسي، بل أصبح تعبيرًا عن وعيٍ جمعيٍّ عميق لدى الإيرانيين، بأنّ لا خلاص لهم من براثن الاستبداد إلّا بتغييرٍ جذريٍّ شامل يقوده الشعب نفسه.
إرث الثورة واستمرار النضال
منذ ثورة عام 1979 التي أطاحت بالشاه كان الأمل أن تنفتح أمام إيران صفحة جديدة من الحرية والعدالة.. غير أنّ نظام ولاية الفقيه سرعان ما صادر الثورة بدعم من الغرب وحوّلها إلى دولةٍ ثيوقراطيةٍ تستند إلى القمع باسم الدين، وفي مواجهة هذا الانحراف لم يصمت الشعب الإيراني طويلًا بل واصلت قوى المعارضة الحقيقية وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الدفاع عن روح الثورة الأصيلة التي أرادها الإيرانيون حرّة ديمقراطية.
لقد كان الثمن باهظًا.. عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، ومجازر دامية كـ مجزرة عام 1988 التي أُعدم فيها أكثر من 30,000 سجينٍ سياسيٍّ بمقتضى فتوى عشوائية أصدرها الملعون خميني، ونفذها الجلادون وعلى رأسهم الهالك إبراهيم رئيسي الذي أصبح لاحقًا رئيسًا لجمهورية الملالي؛ ومع ذلك لم تستطع آلة القمع كسر إرادة الشعب.
الجيل الجديد.. ثورة بلا خوف
ما يميز المشهد الإيراني اليوم هو بروز جيلٍ جديدٍ من الشباب والنساء الذين لم يعرفوا سوى هذا النظام.. لكنهم قرّروا كسر حاجز الخوف والخروج إلى الشوارع بشجاعةٍ غير مسبوقة.. ولم تكن انتفاضتهم انتفاضة عام 2022 التي انطلقت بعد مقتل الشابة مهسا أميني.. لم تكن احتجاجًا عابرًا بل كانت صرخة جيلٍ ثائرٍ يرى في الثورة طريق الخلاص لا خيارًا اضطراريًّا، وفي كلّ مدينةٍ وقرية ارتفعت الهتافات: “الموت للدكتاتور” وشعار “المرأة، الحرية.. الحياة ” لتؤكّد أن الشعب الإيراني لم يعد يقبل بإصلاحاتٍ شكلية أو وعودٍ كاذبة بل يريد إسقاط النظام برمّته وإقامة دولةٍ ديمقراطيةٍ قائمةٍ على الفصل بين الدين والسلطة.
المرأة الإيرانية في صدارة المواجهة
من أبرز سمات الثورة الإيرانية الراهنة الدور الريادي للمرأة، التي أصبحت رمزًا للشجاعة والقيادة؛ فالنساء الإيرانيات، اللاتي عانين لعقود من القهر القانوني والاجتماعي وجدن في الثورة طريقًا لاستعادة كرامتهنّ وحقوقهنّ المسلوبة، وقد ألهمتهنّ زعيمة المعارضة السيدة مريم رجوي التي تمثّل اليوم صوتًا جامعًا للحرية والديمقراطية والمساواة وتقدّم نموذجًا لقيادةٍ نسائيةٍ تجمع بين الصلابة السياسية والرؤية الإنسانية العميقة.. في ظلّ قيادتها تحوّلت المقاومة الإيرانية إلى حركةٍ منظّمةٍ ذات برنامجٍ سياسيٍّ واضح يتضمّن خطةً من عشرة مواد لبناء إيران حرّة ديمقراطية غير نووية تقوم على التعددية وحقوق الإنسان والمساواة التامة بين الرجل والمرأة.
النظام في مأزقٍ لا مخرج منه
رغم محاولات النظام الإيراني تصدير أزماته إلى الخارج عبر إشعال الحروب بالوكالة ودعم الميليشيات الطائفية في المنطقة إلا أنّ أزمته الوجودية اليوم داخلية قبل أن تكون خارجية.. فالاقتصاد منهار، والعملة فقدت قيمتها، والفساد ينخر مؤسسات الدولة، والبطالة والفقر يدفعان ملايين الإيرانيين إلى حافة اليأس، وفي المقابل فإنّ النظام لم يعد يمتلك أدوات السيطرة القديمة؛ فالقمع لم يعد يرهب والكذب لم يعد يُقنع والعزلة الدولية تتزايد يومًا بعد يوم.. حتى داخل هرم السلطة تتعمّق الانقسامات ويزداد الصراع بين أجنحة النظام على السلطة والثروة ما يُعجّل بانفجار داخلي لا مفرّ منه.
إيران الجديدة في الأفق
في مقابل هذا المشهد القاتم تبرز ملامح أملٍ حقيقيٍّ في أفق إيران.. وإنّ الحراك الشعبي الواسع المدعوم بشبكات المقاومة داخل البلاد وخارجها ليشير إلى أن لحظة التغيير لم تعد بعيدة فالشارع الإيراني بات أكثر تنظيمًا ووعيًا، ولم يعد يعوّل على الإصلاحات من الداخل بل على الثورة الشعبية المنظمة التي تفتح الطريق أمام إيران جديدة.. إيرانٍ تنتمي إلى العالم لا تتحدى الإنسانية؛ إيرانٍ تحكمها إرادة الشعب لا إرادة المرشد.. إيرانٍ تصدر العلم لا التطرف وتزرع الأمل بدل الموت.
ختاماً.. الثورة قدر الشعب وخياره
لقد أثبت التاريخ أنّ الشعوب لا تموت، وأن الطغاة مهما طال بقاؤهم فإنّهم إلى زوال.. والشعب الإيراني الذي تحمّل ما لم يتحمّله غيره يسير اليوم بخطى واثقة نحو لحظة الخلاص الكبرى.. وإنّ الثورة حتى النصر لم تعد حلمًا مؤجلًا بل مسارًا وطنيًّا مقدّسًا تتّحد حوله كلّ قوى التغيير الحيّة، ويستمدّ شرعيته من دماء الشهداء وآلام المسجونين وصمود المناضلين.. وما دام في إيران من يهتف للحرية فإنّ فجرها قادم لا محالة.. فلا ليل يدوم؛ ولا استبداد يُخلّد.
