أمد/ أياً ما كانت، أو ما ستكون، الحلولُ السياسيةُ الواقعية الممكنة في زمننا الراهن للصراع الفلسطيني الإنساني الإسرائيلي الصهيوأمريكي المحتدم منذُ ما يزيد على قرنٍ كامل من الزَّمان،؛ أي للحلول السياسية الانتقالية لهذا الصراع الدموي المتشعب دائم الاحتدام، وهي الحلول التي يغلبُ أنها لا تمتلك من قابليةٍ للوجود الفعلي، كحلولٍ دائمةٍ لهذا الصراع، إلا قدراً ضئيلاً يكادُ يشارفُ حدود العدم، فإن السَّردية الفلسطينية الكبرى، بكل فصولها، وتفاصيلها، والسَّرديات الصُّغرى التي يتوالى انبثاقها مع توالي موجات احتدام الصراع الحياتي الوجودي الدَّامي، فتصبُّ في مجرى السردية الفلسطينية الصادقة، الراسخة في الوجود، وتُوسِّعها، وتعمِّقها، لتؤكد، مراراً وتكراراً، أنها هي وحدها السَّردية الحضارية التاريخية الصادقة، والموثوقة، الموثَّقة، والظاهرة للعيانِ بكل سطوعٍ وجلاء، والمبذولة، على مدى تجاوز الألفيات الخمس من السنين أمام أعين الوعي الإنساني، وعقوله، وضمائره، ومكونات وجدانه الجمعي الكلي.

إنها سرديةٌ فلسطينيةٌ إنسانيةٌ حضاريةٌ تاريخيّةٌ كُبْرى، سرديةٌ مفعمةٌ، بأدق مكوناتها وتفاصيلها، بأدلة تاريخية وحضارية ساطعة، وببراهين مادية، وآثارية، لا تنقطع استمرارية وجودها، وتوالي انبثاقاتها عبر الأزمنة، حتى هذه اللحظة من لحظات التاريخ الإنساني، لتؤكد حقيقة الصلة الصميمية الحميمية بين الإنسان الفلسطيني، وأرض وطنه، التي هي أمه الخالدة: “فلسطين”، والتي يقولُ جوهرها، كسردية فلسطينية إنسانيةٍ كُبْرى، إنَّ فلسطين يأسرها: أرضاً، وشعباً، وتاريخاً، وحضارة، وماضياً، وحاضراً، وممكنات تطورٍ حضاريٍّ ، ومستقبل حَياةٍ، ومداراتِ وُجُودٍ لا ينقطعُ أبداً، إنما هي ملكٌ أصيلٌ لصناع تاريخها، وبناة حضارتها ورافعي صروح مجدها الإنساني، ومانحيها الاسم، والهوية، وتجليات الوجود الحيوي في الوجود، الذين هم الفلسطينيون، نعم، الفلسطينيون وحدهم دون سواهم، وبلا أدنى وُجُودٍ، أو أدنى إمكانية لوجود، من ينازعهم، بأي صورة أو شكلٍ، هذا الحق الأزلي الأبدي الراسخ.

وهذا الحقُّ الفلسطينيُّ الأزليُّ الأبديُّ الراسخُ، هو الحقُّ الذي لا يجوز، والذي لا يحقُّ، لأي فلسطينيٍّ حقيقيٍّ وفيٍّ أياً ما كان شأنه، أو منصبه السياسيِّ، أو أياً ما كانت طبيعة مهمته أو وظيفته في إطار النضال الوطني الفلسطيني الإنساني التحرري، وهياكله المؤسسية الرسمية، أن يتنازل عنه، ولو تلفظاً، أو حَتَّى توظيفاً سياسياً يتوخى الاستجابة لشروط باهظةٍ يُفْتَرَضُ، خداعاً، أو توهماً، أنَّها تفتح سبيلاً تبين، لألف مرةٍ ومرةٍ، أنَّ المستعمًرة الإجرامية “دولة إسرائيل الصهيوأمريكية”، لم تكُفَّ عن فتحه وإغلاقه، والإذن لقوى الغرب الاستعماري، أو الطلب منها، بفتحه وإغلاقه، وفق مقتضيات تطور مشروعها الرأسمالي الاستعماري الصهيوني ا الاحتلالي الإحلالي الهادف السيطرة على فلسطين والشرق عبر إقامة “إسرائيل الكبرى” التي يبدو أن المراد، أو المخطط، لحدوها أن تكون بوسع الشرق بأسره، ليُصار إلى توسيعها، بدأبٍ استعماري منفلت من كل عِقالٍ، حتَّى تشمل الكرة الأرضية بأكملها، والكون بشتى كواكبه، ونجومه، وأحياز رحابه الشاسعة، ومداراته.

فهل يحقُّ لسياسيٍّ فلسطينيٍّ، أو لسياسيّ إنسانيٍّ من أي وطنٍ أو ثقافة، وفيٍّ لوطنيته وإنسانيته، أن يتخلى بجرة قلم أو تلفظ لسانٍ، تحت ضغط اختلال ميزان القوى لصالح التوحش الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي، عن السَّردية الفلسطينية الكبرى، بغية الأمل بتحقيق نوع من الوصول “الذليل” إلى تحقيق غاياتٍ لا تتجاوز الأمل بتحقيق ما يمكن أن يحققه تجديدُ وهم “حل الدولتين”، من غايات رخيصة يغطيها الشروع المثابر في متابعة بيع هذا الوهم، بخسة سياسية منقطعة النظير، للشعب الفلسطيني، وللإنسانيين الأحرار من قاطني العالم، حتى تستكمل المستعمرة المدعوة “دولة إسرائيل” مدعومة بقوى التوحش البشري العنصري الهمجي الصهيوني الأمريكي، تكريس السَّردية الآيديولوجية الصُّهيونية المصطنعة الزائفة، التي هي النقيض الجذري للسردية الفلسطينة الحقيقية بشأن فلسطين، في وعي العالم، وذلك عبر الاستمرار الهمجي التوحشي الإجرامي في تدمير فلسطين، وتهويدها تهويداً آيديولوجياً صهيونياً، وإبادة شعبها، ليتمَّ إحكام السيطرة الصهيونية الإسرائيلية الأمريكية عليها، وفتح كل السُبُلِ المفضية إلى تسريع التمدد الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي الاستعماري المباشر، في جميع بلاد العرب والشرق الأدنى والأوسط والأقصى، وتعزيز فرض هيمنة التحالف الرأسمالي الاستعماري الهمجيِّ التوحشي الصهيوني الأمريكي (العنصري الغربي الأنجلوسكسوني) المطلقة، المتعددة المجالات والأوجه، على العالم بأسره!

ولأنََ في التخلي عن السَّردية الفلسطينية الإنسانية الكبرى، تخلِّياً همجياً وضيعاً عن الحقِّ، والحقيقة، وعن الحرية، والكرامة، والعدلِ، وعن جميع الحريات والقيم الإنسانية الأساسية السامية النبيلة، فإنه، في حقيقته، انتحارٌ وُجوديٌّ مصحوبٌ بتجرُّدٍ اختياريٍّ مطلقٍ من الإنسانية، وهو إلى ذلك، تخلٍّ نهائيٍّ من قبل من يقدم عليه، عن هويته كإنسانٍ سيكونُ مؤهلاً لأن يتوقَ، إنْ هو قرر الوقوف مع فلسطين في نضالها ضد التوحش البشري الصهيوني الأمريكي، إلى مباشرة السعيِّ لإدراك كماله الإنسانيِّ الممكن، وهو السَّعي الذي سيحولُ التَّخلي عن السردية الفلسطينية دونه والشروع في السَّعيِّ الحثيث لإدراكه!

شاركها.