التّطاول على الشّهداء نذالة!
إننا في زمن بئيس، أصيبت فيه الأمة في مقاتلها لولا فضل الله ورحمته بهذه الأمة، التي جعلها: {.. خير أمة أخرجت للناس}، فلا أبأس من أن يصل الأمر إلى نشر الباطل باسم الحق!، ونشر الباطل على لسان من يحسبهم الناس دعاة أو علماء!، ونشر الباطل تحت قباب المساجد!.
إن الأصل في كل من شدا في العلم، فصار داعية في نظر الناس، أو عالما في حسبانهم وظنهم أن يكون صوتا للحق، جنديا من جنوده، عدوا للباطل محاربا له!، هذا هو الأصل، ولكننا عشنا لنرى مَشْيُوخَاء (جمع شيخ غير مستعمل كثيرا، فلا ينفع كثيرا كحال من أتكلم عليهم!) وأشباه دعاة وأشباه علماء يلبسون الحق بالباطل فعل يهود الذين خالفوا نهي الله تعالى لهم: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخبر أنه سيوجد فينا من سيقع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من مخالفات وانحرافات، عن أبي سعيد رضي الله عنه أَن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قلنا: يا رسول اللهِ اليهود والنصارى؟، قال: «فمن؟!» رواه البخاري ومسلم. وعلى هذا يجب أن ننتبه ونحن نقرأ القرآن العظيم وهو يحدثنا عن مخازي يهود وانحرافاتهم أن ذلك ذُكِر لنا للاتعاظ والاعتبار والحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه، ومعرفة من وقع فيه أيضا!، فحين ينهى اللهُ تعالى يهود عن أن يلبسوا الحق بالباطل فلنتأكد أنه سيكون في هذه الأمة من يتبع سننهم فيلبس الحق بالباطل ويدلس على المسلمين كما هو واقع، وعلينا أن نحذر من هذا الصنف؛ لأنه يأتي في لبوس الحق، ولبوس العلم، ولبوس النصح، وهو خائن لله ولرسوله وللمؤمنين!.
وهل يوجد أدلّ على هذا مما رافق استشهاد القائد الباطل إسماعيل هنية رحمة الله عليه وتقبله الله في الشهداء من لغط وتلبيس وتدليس، فالمجاهد الكبير ولا يخفاك أنه قائد السنوار والضيف وأبو عبيدة… إلخ قائمة الأبطال الأمجاد الذين شرّفوا الأمة استهدفته آلة الإجرام الصهيونية وحركت أقمارها الصناعية وعملاءها ومخابراتها، وكذلك فعلت أمريكا وربما دول أوربية أخرى في سبيل ذلك، فهل كان يتخيل عاقل مجرد تخيل أنه سيوجد في المسلمين من سيطعن فيه ويشكك في شهادته؟؟، ولكن وجد للأسف من تبع سنن يهود وخلط الحق بالباطل مناصرة للصهاينة، ومولاة لهم من دون المؤمنين، والعياذ بالله.
وحتى يتبين وجه لبسهم الحق بالباطل أوضح الآتي: إن مكانة الشهداء في الإسلام عظيمة: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}، {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}، وقد أنعم الله تعالى عليهم نعما عظيمة فكانوا في الدرجة والرتبة بعد الأنبياء والصديقين بنص القرآن الحكيم: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}، هذا هو الحق الذي لا يجهله أحد.
فكيف حدث التلبيس؟، حدث باستغلال قضية عقدية متفق عليها بين أهل السنة وتوظفيها توظيفا خاطئا أو خبيثا بحسب نياتهم، وهي: أننا لا نوجب لمعين من أهل الصلاح الجنة، ونشهد له بها قطعا إلا من صح حديث في كونه من أهل الجنة كالعشرة المبشرين بها، أما غيرهم من صالحي المؤمنين فنحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله تعالى، ونرجو لهم الخير وندعو لهم بالقبول، ولكن هؤلاء الملبسين استغلوا هذه الفكرة وقلبوها رأسا على عقب، فنفوا عن مخالفيهم صفة الشهيد بدعوى عدم الشهادة لمعين، وقطعوا بعدم استحقاقهم لها تأليا على الله تعالى ولبسا للحق بالباطل، ولا يخفى على أحد أن هناك بونا شاسعا وفرقا كبيرا بين أن نعد شهداء أهلنا في غزة وفي مقدمتهم قائدهم هنية عليهم رحمة الله جميعا شهداء، ولا نزكيهم على الله تعالى، ولا نشهد لمعين منهم بالجنة قطعا، وبين أن ننفي صفة الشهادة عنهم، ولكن المشيوخاء المتصهينين حرّفوا عقيدة أهل السنة وقلبوها رأسا على عقب حقدا وحسدا وجهلا، ومعاندة ومكابرة، وجعلوا عدم إيجاب الشهادة لمعين = نفي الشهادة عنه!.
لقد كنا حين نسمع كلام هؤلاء المخذلين خذلهم الله تعالى عن الجهاد والمقاومة الإسلامية نقول: الحمد لله لم يكونوا في زمن الاستعمار الفرنسي، وإلا لكانوا بدّعوا جيش التحرير المجيد، وطعنوا في شهداء ثورتنا المباركة الأبرار!. ولم يخب ظننا هذا؟ فقد طبقوا قواعدهم الفاسدة ومذهبهم المبتدع عليهم، ونالوهم بألسنتهم وآذوهم، وهم في الحقيقة لم يؤذوا إلا أنفسهم، ولم يفضحوا إلا أنفسهم ونحلتهم المنحرفة، وإلا فحكم من ولغ في أعراض شهداء الجزائر وشهداء فلسطين وشهداء المسلمين أن يغسل فمه سبعا بكل المنظفات والثامنة بالتراب.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة