أمد/ حين يصبح التضامن واجباً لا مناسبة

في كل عام، تحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. تُرفع الصور، تُضاء الشموع، وتُلقى الكلمات ذاتها التي تتكرر منذ عقود. ومع ذلك، لا تتغيّر الحقيقة الأساسية: ما زال الشعب الفلسطيني يعيش واحدة من أطول المظالم الإنسانية والسياسية في التاريخ الحديث، بينما يتراجع التضامن من الفعل إلى الاحتفال، ومن الالتزام إلى الإيماء الرمزي.

اليوم، لم يعد الفلسطيني بحاجة إلى مزيد من التصفيق العاطفي، بل إلى تضامن يُترجم إلى حقوق. فما معنى التضامن العالمي إذا بقي ملايين الفلسطينيين في الشتات بلا ضمانات، وبلا حماية، وبلا أفق؟ وما قيمته إذا عاش اللاجئ الفلسطيني في لبنان—بعد ٧٧ عامًا من التهجير—كأنه تعليقٌ دائم بين الماضي والمستقبل، محرومًا من أبسط الحقوق المدنية والاقتصادية التي تضمن حياة كريمة لأي إنسان؟

لقد أثبت الفلسطيني، في كل بلد حلّ فيه، أنه ليس طارئًا ولا عبئًا، بل جزء من نهضة المنطقة. فمن الخليج إلى شمال إفريقيا، ومن شواطئ المتوسط إلى عواصم الشرق الأوسط، شكّل الفلسطيني رافعة تعليمية، وإدارية، وتجارية. وفي لبنان تحديدًا، ساهم لعقود في الحركة الاقتصادية، من الحِرف والمهن الحرة إلى العمارة والخدمات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. كان شريكًا حقيقيًا في دورة الإنتاج، رغم القيود الكثيفة التي كبّلته ومنعته من استثمار كامل طاقته.

ومع ذلك، يواجه الفلسطيني في لبنان اليوم سلسلة من القوانين التي تمنعه من ممارسة عشرات المهن، وتحول دون حق التملّك، وتضعه في دائرة التهميش الاقتصادي والاجتماعي. كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتحدث عن “التضامن” بينما لا تزال التشريعات تمنع هذا الإنسان من أبسط المقومات التي تبني حياة طبيعية؟

إنّ التضامن الحقيقي لا يُقاس بعدد الفعاليات، ولا بالعناوين الصحفية، بل بمدى قدرة الدول—خصوصًا المضيفة للاجئين—على تحويل التعاطف الأخلاقي إلى سياسات عادلة. والتضامن الفعلي مع الشعب الفلسطيني يبدأ من حيث يعيش الفلسطينيون اليوم: في المخيمات، في المدن، في الشتات… حيث تُختبر الخيارات الحقيقية، لا الشعارات.

في هذا اليوم العالمي، لا يحتاج الفلسطيني إلى شعارات جديدة، بل إلى إرادة سياسية تُعيد له حقه في العمل، في التعليم، في الأمن الإنساني، وفي العيش بكرامة إلى أن تتحقق عودته. يحتاج إلى قوانين تحميه، لا نصوص تقيّده. وإلى دولة مضيفة تعامل وجوده كجزء من النسيج الاقتصادي والاجتماعي، لا كملف معلق منذ 1948.

وإن كان العالم يريد فعلاً تكريم الشعب الفلسطيني، فليبدأ من هنا: من حماية حقوقه حيث وُلدت أجياله الجديدة، ومن تصحيح الخلل العميق الذي جعل الهوية الفلسطينية تعيش نصفها الأول في الذاكرة، ونصفها الآخر في المخيمات.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، لا يُطلب من العالم أن يتضامن مع فلسطين كشعار… بل مع الفلسطيني كإنسان.

التضامن ليس موسماً، بل مسؤولية. وليس مناسبة، بل التزاماً.

شاركها.