التحديات المنتظرة بالشرق الأوسط في 2025
أمد/ على مدار الاثنى عشر شهرًا الماضية، اشتدت حدة الدمار وارتفعت حصيلة القتلى بغزة والضفة الغربية. وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقية مؤقتة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، فإننا لانزال بعيدين عن إيجاد حل جذرى للأوضاع فى غزة وتحقيق استقرار شامل وحقيقى يتبعه إنهاء للصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
من ناحية أخرى، فإن الأوضاع والقضايا الإقليمية فى بقية الدول العربية لم تشهد سوى تحسن طفيف، مثل تحقيق بعض التقدم الضئيل فى اليمن، وحدوث اتفاق بين لبنان وإسرائيل فى محاولة لاحتواء التوغلات الإسرائيلية عبر الحدود اللبنانية، وإن كان هذا الاتفاق لايزال قيد الاختبار. بالإضافة إلى أن العنف قد تصاعد فى مختلف أنحاء المنطقة مع قيام إسرائيل بالتوسع فى احتلال الأراضى العربية (لتشمل أجزاء أكبر من الجولان السورى) واستهدافها بشكل متكرر لبعض الأهداف فى إيران وبعض المواقع فى اليمن. وكذلك فإن ما شهدته سوريا من قيام تحالفات من القوى المختلفة بالإطاحة بالحكومة السورية قد يؤدى إلى سنوات من الانتقال/ التحول. ومن الطبيعى أن يكون لعدم استقرار سوريا عواقب وخيمة على الدول المجاورة، وبخاصة على لبنان والأردن والعراق وتركيا.
إن كل ما سبق ذكره يمثل حال المنطقة العربية ونحن مازلنا فى بداية عام 2025.
لقد وجدت نفسى قبل بضعة أيام جزءًا من نقاش سمعت فيه وجهة نظر مفادها أن المنطقة قد وصلت للحضيض؛ ولذا فلا يمكنها إلا أن تتحرك للأمام؛ وقد أدت وجهة النظر هذه إلى تأجج واحتدام النقاش.
أنا لست متشائمًا، ولم أفقد الأمل فى أن العالم العربى والشرق الأوسط سيتمكنان يومًا ما من التعامل مع المستقبل بشكل أكثر إيجابية؛ ومع ذلك فإن هذا المسار الإيجابى يعتمد على وضع سياسات موضوعية تقوم على الأدلة والحكم الاستراتيجى الرشيد والعقلانى والفعّال.
حلول بعيدة المنال:
إن حل المشكلات الحادة المذكورة أعلاه أمر ضرورى، وخاصة بالنظر إلى مستوى الدمار وإراقة الدماء الذى شهدناه؛ ومع ذلك ففى ظل الفوضى الكاملة التى يعانى منها النظامان الدولى والإقليمى، يبدو مثل هذا الحل بعيد المنال على الأقل فى المستقبل القريب؛ ولذلك فقد يكون من المفيد تسليط الضوء على نقاط معينة تتعلق بالعديد من القضايا الرئيسية.
ليبيا: تُعد ليبيا دولة غنية ولكنها للأسف فاشلة، والسبب فى ذلك هو أن قادة الدولة يعطون لأنفسهم الأولوية على المصالح الوطنية، وبالطبع يستمتع الفاعلون الدوليون بهذه الفوضى السائدة ويستفيدون منها. كلا الاتجاهين بحاجة إلى تغيير. وللمساعدة على حل الأزمة بليبيا يمكن لمصر، بالتعاون مع ربما الجزائر و/أو الأمم المتحدة، أن تأخذ زمام المبادرة الدبلوماسية فى هذا الصدد، وتعقد مؤتمرًا مماثلًا للمؤتمر الذى عُقد سابقًا فى برلين، بغرض إنهاء التدخل الأجنبى فى ليبيا وإنشاء مؤسسات ليبية وطنية تستجيب لجميع قطاعات المجتمع الليبى وتكون غير خاضعة لأحد.
السودان: إن الحرب الأهلية بالسودان هى بمثابة كارثة إنسانية وأخلاقية. ويجب على وجه الخصوص على الدول العربية أن تتحد للضغط على الأطراف السودانية المتصارعة، وتحفزهم على إنهاء الصراع وانتخاب حكومة انتقالية محايدة تكون قادرة على توفير المعطيات الأساسية لإجراء انتخابات سودانية نزيهة لاختيار قادة جدد بحرية. وبالطبع سيكون للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى دور بالغ الأهمية فى إتمام هذه العملية بسلام.
فلسطين وسوريا: يجب إيقاف نزيف الدماء والدمار فى غزة. فإعادة بناء القطاع ضرورة ملحة لعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم. ولكى تتحقق، يتطلب ذلك نهجًا ذا شقين مترابطين. يتعلق الشق الأول بوقف إطلاق النار، والذى سوف يشمل تبادل الأسرى والرهائن بين الجانبين، وانسحاب القوات الإسرائيلية، والتنسيق الأمنى، والدعم الإنسانى، وإعادة الإعمار. ويركز الشق الثانى على حل/ إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وإنشاء دولة فلسطينية على أساس قرار الأمم المتحدة لعام ١٩٦٧، واتخاذ خطوات ملموسة يكون قد اتفق عليها على مدار فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.
أما فى سوريا، فإن تحديد اتجاه التحول الجارى فيها يشكل مصدر قلق بالغ الأهمية بالنسبة للعديد من الأطراف بالمنطقة؛ لذا فمن الضرورى أن يتم بناء سوريا جديدة شاملة ووسطية ولديها قبول للآخر، تحترم مواطنيها وأعراقهم المتنوعة، وتحافظ على هوية عربية واضحة. إن احتمالات الانهيار أو الطائفية تفرض عواقب وخيمة على المستوى المحلى وتمثل تهديدًا محتملًا للدول المجاورة؛ لذا فلابد أن تكون المشاركة العربية قوية فى التزامها وشديدة الصراحة فى التعبير عن توقعات العالم العربى. فالسماح للدول الإقليمية باستغلال الظروف الحالية أو فراغ السلطة فى المستقبل يُعد خطرًا للغاية.
الدول غير العربية: إن العلاقات بين الدول العربية والدول الثلاث غير العربية (إسرائيل وتركيا وإيران) بالمنطقة سوف تخضع للاختبار وإعادة التعريف هذا العام. فإسرائيل، إلى جانب احتلالها للأراضى العربية، أكدت بلا خجل استعدادها لاستخدام القوة حيثما يخدم ذلك مصالحها. ولابد من احتواء مثل هذا الاتجاه الخطر، ليس فقط من أجل تداعياته، بل أيضًا لمنع اتخاذ الآخرين له كنموذج يُحتذى به؛ مما سيؤدى بدوره إلى زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة.
إن تركيا، وهى منافس مهم بالمنطقة له علاقات متعددة تمتد إلى ما هو أبعد من بلاد الشام، لا تتردد فى استعراض قوتها. ولابد وأن تعترف الدول العربية فى علاقتها مع تركيا بأنها فاعل إقليمى ذو ثقل ومصالح مشروعة وأن تعمل فى الوقت نفسه على احتواء التطلعات التركية للهيمنة.
إن إيران تمر بمرحلة انتقالية مع رئيس جديد وزعيم أعلى متقدم فى السن؛ وهو ما يقدم سببًا جديًا لإعادة المعايرة. وسوف يكون دونالد ترامب الحازم ولكن غير المشجع للحرب، إلى جانب اهتمام نتنياهو الشديد بإدامة التوترات مع إيران، عاملين أساسيين فى هذه المعايرة. وقد تكون المشاركة العربية المدروسة والمحسوبة مفيدة. فعلى أقل تقدير، ستمنع تلك المشاركة المفاجآت غير السارة التى قد تكون لها عواقب على منطقة الخليج وغيرها.
المشهد الدولى: على المستوى الدولى، سيُطلب من العالم العربى بشكل متزايد أن يختار ما بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى (خاصة الصين). وفى حين جعلت إدارة بايدن التعاون بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول مشروطًا باحتواء العلاقات بين تلك الدول وكل من روسيا والصين، سيركز ترامب فى الغالب على الصين، حيث إنها أكبر شريك تجارى للعديد من الدول فى العالم العربى، وخاصة فى منطقة الخليج، بالرغم من انخفاض واردات الصين من الطاقة. وقد يكون لعب القوى العظمى ضد بعضها بعضًا مكلفًا، ولكن الرضوخ لاعتباراتها وتهديداتها سيكون أكثر كلفة.
التحديات المستقبلية:
فى عام ٢٠٢٥، يحتاج العرب إلى معالجة عدد من القضايا العامة والإقليمية؛ مما يستوجب التفكير الجاد لضمان تأكيد «الهوية السياسية» للعالم العربى. ولكن مع كون نحو ٦٥٪ من سكان العالم العربى تحت سن الثلاثين، يبدو العرب ممزقين بين وجهتين متعارضتين: الاعتقاد غير الدقيق بأن العالم العربى كان ولابد أن يكون دائمًا موحدًا، وجيل لم يشهد قط قواسم إقليمية مشتركة ويركز على الهوية الوطنية والمصلحة الذاتية الفردية. ولكن ينبغى ألا يكون الاختيار بين هذين الاتجاهين الاصطناعيين والمدمرين. فبدلاً من ذلك، من الأفضل التصدى للقضايا العامة والإقليمية من خلال زيادة التفاعل الاجتماعى والاقتصادى، وإقامة جسور للعلاقات بين الحكومات والمجتمعات.
تواجه معظم الدول العربية أوجه قصور تكنولوجية محلية شديدة، حيث إن هذه الدول دائمًا ما تستورد التقنيات التكنولوجية من الخارج، ونادرًا ما تنتجها بنفسها؛ مما يضعها باستمرار على الطرف القصير من سلسلة القيمة، ويعزز الاعتماد غير الصحى على الآخرين. وتمتد هذه المشكلة إلى كل من الصناعات العسكرية والمدنية على حد سواء، وخاصة فى مجال التكنولوجيات الذكية.
لقد حذرت مرارًا وتكرارًا من مشكلات ندرة المياه بالمنطقة، وبخاصة فى العالم العربى. إن الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والهيمنة السياسية الإقليمية، والتى تسيطر عليها فى الغالب دول غير عربية ودول غنية بالمياه، ستؤدى إلى تفاقم هذه المشكلات. وإضافة إلى ذلك، فإن تداعيات تغير المناخ على الشرق الأوسط ستكون أكثر حدّة منها على المناطق الأخرى؛ مما ستنتج عنه أيضًا زيادة انعدام الأمن الغذائى.
وأخيرًا، فمن الضرورى أن يطرح العرب رؤى للهياكل الأمنية الإقليمية المستقبلية. وينبغى لهذه الرؤى أن تتضمن مجموعة متفقًا عليها من المبادئ والآليات لمواجهة التهديدات الوشيكة والوقوف ضدها، فضلًا عن حل النزاعات الجارية.