اخر الاخبار

التجويع الإسرائيليّ لغزة.. رحلة عذاب للظفر برغيف خبز

أمد/ غزة: بجسدها النحيل، تخرج الخمسينية سميرة محمد من بين عشرات الفلسطينيات اللواتي يتزاحمن في طابور طويل أمام مخبز بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، وهي تمسك ربطة خبز بكلتا يديها المرتجفتين وكأنها تخشى أن تُنتزع منها غفلة. 

عيناها الغائرتان اللتان تنظران حولها بترقب وقلق كأنما ترويان قصة مجاعة امتدت لأشهر، ونجت منها بصعوبة، ونجمت جراء القيود المشددة التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية لغزة خلال قرابة 16 شهرا من حربها على القطاع، في حين لا تزال ملامح هذه المجاعة حاضرة، مع منع إسرائيل إدخال المساعدات مجددا، تزامنا مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الأول/ يناير الماضي.

وبعد وقوف دام لساعات طويلة، بدءا من السابعة والنصف صباحا، نجحت محمد بالحصول على ربطة خبز تزن 2 كيلو غرام فقط.

وقالت بكثير من القهر والغضب على قرار إسرائيل بإشهار سلاح “التجويع” مجددا عبر إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات إلى القطاع في 2 آذار/ مارس الجاري، أن هذه الربطة ستوزع على 20 فردا.

والأحد، طالب المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، المجتمع الدولي بـ”عدم السماح بانتشار الجوع مرة أخرى في غزة”.

وتضمّ الربطة الواحدة من وزن 2 كيلو غرام ما مقداره 2324 رغيف متوسط الحجم من الخبز، ما يعني أن كل فرد من عائلة محمد سيحظى برغيف واحد يُقسم على وجبتي الإفطار والسحور ليوم واحد فقط.

ويضطر أهالي غزة للوقوف في هذه الطوابير أمام المخابز القليلة العاملة في القطاع والمدعومة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والتي يدعمها بالوقود والدقيق، للحصول على كمية قليلة من الخبز.

ويشتري الفلسطينيون ربطة الخبز تلك من هذه المخابز بسعر رمزي، يصل إلى 2 شيكل و3 شواكل (الدولار يعادل 3.64 شيكلا) في نقاط التوزيع، بما يشكل ما نسبته 2530 من سعرها الحقيقي، وفق خبير اقتصادي.

ومطلع آذار/ مارس الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلقت إسرائيل مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة، لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها.

أزمة حقيقية

وفي مشهد يعكس وجود أزمة غذاء حقيقية في قطاع غزة، يتكدس الأهالي فوق بعضهم البعض، أمام المخابز العاملة لساعات طويلة، للحصول على الخبز زهيد الثمن.

الفلسطينية الثمانينية فاطمة أبو شعر وصلت المخبز وهي تمشي على عكازتها بظهرها المنحني، للحصول على ربطة خبز تسند عائلتها في رمضان.

وتقرّ أبو شعر بوجود أزمة جوع حقيقية في غزة جراء إغلاق المعابر، فتضيف وهي تلوح بيديها المجعدتين، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، جوّع وشرّد وقتّل الشعب الفلسطيني.

وتابعت تشكو تفاصيل الحياة التي خلّفتها الحرب “لا يوجد مياه ولا كهرباء ولا أكل كما هو متوفر لدى الناس في الخارج، ولا حتى راحة عند النوم”.

في مشهد آخر، تنتظر إحدى الفلسطينيات من ذوي الإعاقة الحركية، دورها للحصول على ربطة الخبز في خانيونس، وهي تجلس على كرسيها المتحرك.

وقالت إن المعاناة طالت كافة مناحي الحياة فلا خبز ولا مياه ولا كهرباء.

أما الفلسطيني محمد غنيم، فبعد أن شكا من طول ساعات انتظاره في طابور أمام أحد مخابز مدينة خانيونس لشراء ربطة خبز، قال: “هنا لا يوجد شيء يمكننا الحصول عليه، كل شيء غالٍ”.

وذكر أن إغلاق المعابر تسبب بندرة توفر غاز الطهي والدقيق والمواد الغذائية، لافتا إلى ارتفاع أسعار ما هو متوفر.

وفي 3 آذار/ مارس الجاري، قال متحدث الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحافي، إن إغلاق إسرائيل المعابر المؤدية إلى غزة أمام البضائع، أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية أكثر من 100 ضعف في أنحاء القطاع

الحياة تحولت لعذاب

إحدى الفلسطينيات وهي تسند ظهرها إلى سور حديدي خلال وقوفها في طابور أمام المخبز، قالت إن الحياة بالنسبة لفلسطينيي غزة تحولت إلى “عذاب”.

وتابعت دون أن تكشف عن اسمها، إن الحصول على الخبز تحول إلى رحلة عذاب، وكذلك الحصول على المياه، كله بات ضمن طوابير طويلة وساعات ممتدة.

وذكرت أن إغلاق المعابر تسبب بانقطاع أساسيات الحياة كغاز الطهي فضلا عن ارتفاع أسعار الخضروات.

وتابعت “نأتي منذ الصباح هنا لنقف في طابور طويل، حياتنا صعبة، نتعذب كثيرا للحصول على رغيف الخبز”.

وأشارت إلى أن عائلتها تعيش على الأرز الذي توزعه تكيات الخير على الفقراء، في ظل عدم وجود مصدر رزق لأسرتها يسد رمق أفرادهم.

وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن حرب الإبادة الجماعية التي استمرت لقرابة 16 شهرا حولت جميع الفلسطينيين إلى فقراء، حيث قال مسؤولون حكوميون وحقوقيون إن الغالبية العظمى منهم باتوا يعتمدون على المساعدات.

الفلسطيني رائد أبو معتز، قال بدوره إنه يعجز عن توفير قوت يوم عائلته في ظل اشتداد الحصار الإسرائيلي وعدم تعافي القطاع من تداعيات الإبادة.

وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار مجددا حال دون مقدرته على تلبية احتياجات العائلة الأساسية.

وذكر أنه للمرة الأولى يعيش فلسطينيو قطاع غزة رمضان بهذه الظروف القاسية من الحصار وانعدام توفر الغذاء.

انعدام البدائل

وقال الخبير الاقتصادي الفلسطيني، محمد أبو جياب، إن أزمة الخبز في قطاع غزة لم تعد تتعلق فقط بوفرة الدقيق، إنما بغياب وسائل إنتاج وتصنيع الخبز.

وأضاف أن “المواطن لا يمتلك الغاز الذي يمكنه من صناعة الخبز، وكذلك المخابز الأسرية أو البلدية توقف معظمها بسبب إغلاق المعابر”.

وأوضح أن بعض العائلات ورغم توفر كميات محدودة لديها من الدقيق إلا أنها تعجز عن خبزها بسبب عدم توفر الغاز أو الحطب أو الكهرباء.

وأشار إلى أنه خلال الفترة التي امتدت منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار وحتى إغلاق المعابر، كان الفلسطينيون يخبزون خبزهم بأنفسهم لكن مع الأزمة الجديدة توجهوا للوقوف طوابير أمام المخابز.

وأكد أن المخابز المدعومة من “الأغذية العالمي” باتت ملجأ فلسطينيي غزة الوحيد للحصول على الخبز.

وتابع: “تسعيرة ربطة الخبز تصل إلى 2 شيكل وتباع في نقاط التوزيع بـ3 شواكل، وهذه القيمة تشكل ما نسبته 2530 بالمئة من السعر الحقيقي لربطة الخبز”.

ولفت إلى أن المبلغ الذي يتقاضاه المخبز يغطي جزءا من مصاريفه التشغيلية.

وأرجع حالة الاكتظاظ أمام المخابز، إلى تكلفة الخبز الأقل مقارنة بصناعة الخبز في المنزل في ظل ارتفاع أسعار الدقيق منذ إغلاق المعابر ليصل الكيس بوزن 25 كيلو غراما إلى 100 شيكل، صعودا من 3040 شيكلا.

إلى جانب ذلك، فإن الأهالي في غزة، يفضلون الاحتفاظ بما تبقى لديهم من دقيق خشية حدوث مجاعة قوية في الأسابيع القليلة القادمة، فيجدون حينها ما يسدوا فيها رمقهم، وفق قولهم.

وحذر أبو جياب من أزمة جوع حقيقية خلال الأسابيع القادمة في حال استمر إغلاق إسرائيل للمعابر.

وخلال أشهر الإبادة، عانى أهالي القطاع من مجاعة جراء القيود المشددة التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات، ما دفعهم لتناول بدائل كأعلاف الحيوانات والحشائش وتقليص الوجبات اليومية وكميتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *