اخر الاخبار

الاغتيالات بالشجاعية..عائلات تخشى مصير أبنائهم المجهول!!

أمد/ بدا واضحا في الآونة الأخيرة، تصاعد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية للمقاومين في قطاع غزة، أو حتى كل من يقدم لهم الدعم أو يساندهم، لتبرز مساع إسرائيلية مستمرة لاستهداف القيادات الميدانية والمشاركين في العمل المقاوم بشكل خاص، دون الالتفات ولو في هذه المرحلة فقط الى قيادات العمل السياسي أو العمل الحكومي.

هذه العمليات، والتي غالبا ما تنفذ عبر طائرات استطلاع مسيّرة أو ضربات دقيقة، باتت تشكّل كابوسًا يوميًا لأهالي القطاع المحاصر، وخصوصًا لعائلات المقاومين، في ظل استمرار حالة من القلق والترقّب، لا سيما بين أمهات وزوجات أولئك الذين ما زالوا منخرطين في النشاط المقاوم أو مرشحين للارتقاء إلى مواقع قيادية.

ونحن نعرف تماما أن إسرائيل عادت لأسباب داخلية لشن هجماتها المجنونة على قطاع غزة، فحتى كتابة هذا المقال مر نحو اثنان وخمسون يوما على العودة للقتال منذ الثامن عشر من مارس الماضي، حيث قتلت خلالها نحو الفين فلسطيني نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، وأيضا عدد لا يستهان من المقاومين والقادة الميدانيين ولعل أبرزهم قادة كتيبة الشجاعية الثلاثة، وقادة كثر في كتائب القسام وسرايا القدس، ولكن كيف يمكن قراءة هذه الأحداث المتسارعة؟ والجميع يبحث عن إجابة لـ”ما العمل؟” وهي الإجابة التي يختلف عليها الفلسطينيون، كل منهم يدافع عن موقفه لكن على الأرض لا يتوقف النزيف وتلك واحدة من مآسي هذا الشعب في عقوده الأخيرة، حيث يتعرض للدمار بمجموعة مغامرات وصراعات عدمية.

إن عودة حرب الإبادة المجنونة على غزة كانت متوقعة منذ اللحظة التي وقعت فيها إسرائيل الاتفاق في كانون الثاني الماضي، وقامت بتجزئة الصفقة على مراحل، حيث بات واضحا لكل السياسيين أن إسرائيل لن تتوقف عند هذا الحد، ففي توقفها وإنهاء الحرب وعودة حكم حماس للقطاع هزيمة لا يحتملها الإسرائيليون، الأمر الذي جعل من تفكيك القوة العسكرية لحماس وحكمها المدني لغزة هدفاً يحظى بالإجماع في اسرائيل.

ولعل خطاب وزير الدفاع الإسرائيلي اسرائيل كاتس الذي هدد فيه سكان قطاع غزة بحرب أكثر قسوة من سابقتها وصولا لتهجيرهم خارج القطاع، ينذر بالأسوأ القادم، خصوصا وأن إسرائيل يدها طليقة تحظى بدعم الرئيس الأميركي ترامب الذي هدد بفتح أبواب الجحيم على غزة، وكذلك الوسيط ويتكوف الذي هدد حركة حماس أيضا، وقبلهم بتسلئيل سموتريتش، وكل تلك التهديدات كانت تتكئ على قوة اسرائيلية تمكنت من اجتياح القطاع ويمكن أن تكرر ذلك في أية لحظة، وكان منظر الجنود الإسرائيليين وهم يسيرون على الأقدام في مفترق نتساريم الذي أعادت احتلاله يشي بذلك، ويعرف حماس ومحور المقاومة أجمع بقيمته بعد عام ونصف من الحرب القاتلة.

الحقيقة إنه لم يعد لدى حماس ما تقدمه في ظل الضغط القائم حاليا، فالهدف هو استسلام الحركة كما كل الذين ينهزمون عسكريا، لكن في هذا ما ترفضه الحركة سواء لأن ذلك يعني رفع راية بيضاء لاسرائيل، ولكن الأهم أيضا فإنه يحمل نهاية الفكرة لحركة أصرت على أن خيارها الوطني هو الأكثر جدارة بالتحرر من الاحتلال، لكن ثبت أن الخيار كان الأكثر فداحة وعودة الاحتلال.

تقف حماس في هذه اللحظة التاريخية عند مفترق طرق شديد الصعوبة أو هكذا جعلها الإسرائيلي، فقد وضعها أمام خيارات محدودة وأراد أن يجعلها إما بقاء حماس أو بقاء الشعب، إما رحيل حماس أو استمرار الحرب. فعودة الحرب تعبر عن ضعف ورقة الأسرى أمام الهدف الأكبر الذي تقف خلفه الولايات المتحدة، ولا تبدو في الأفق أية حلول، وفقط حالة وطنية جامعة يمكن أن تحتوي حركة حماس، فهي بحاجة لمن ينزلها عن الشجرة بكرامة وطنية، لأن الشعب يستطيع الصمود في المواجهات الصغرى، لكن المعارك الكبرى والإبادة بحاجة لحسابات مختلفة.

وفي الميدان، تجد الأم الفلسطينية، التي طالما اعتُبرت رمزا للصمود والتضحية، نفسها في موقع الخائفة الحريصة، التي تحاول بكل الطرق الممكنة أن تُثني ابنها عن الانخراط في الأطر القيادية، خشية أن يطال اسمه قائمة الاغتيالات القادمة، فيما تواجه زوجات النشطاء كذلك صراعا داخليا مؤلما بين دعم أزواجهن والقلق على مصيرهم، بعضهن يحاولن إقناع أزواجهن بالبقاء في الظل، أو ترك الأدوار القيادية على الأقل، حفاظا على حياتهم من الاستهداف المباشر، في ظل آلة القتل الإسرائيلية التي لا تميز بين منزل وميدان.

الحقيقة، إن هذا القلق الشعبي يعكس تحوّلًا في ديناميكيات المجتمع الغزي الذي لطالما اعتاد على فقدان الشهداء، لكنه اليوم يشهد تكرارًا لعمليات الاغتيال بشكل غير مسبوق، ما يرفع كلفة الانخراط في العمل المقاوم ويضع النساء، كخط الدفاع الاجتماعي الأول، في مواجهة واقع معقد: حماية العائلة دون كبح روح المقاومة.

نعم، إن الخسارة كبيرة في غياب القادة الميدانيين، لكن الأسوأ أن تسجل إسرائيل التي تقوم بكل هذه الإبادة هذا القدر من النجاح الكبير لتعيش هذه النشوة ويعيش خصومها كل هذا الانكسار، لكن الحقيقة هو أن هذا كان يجب أن يخضع للحساب قبل المغامرة وكل تلك الخسارات.

يمكننا الاعتراف بأن إسرائيل تسجل اختراقات وانتصارات ميدانية عديدة، لكن لابد لها أن تعرف حقيقة أن المعركة الكبرى مع الشعب الفلسطيني، حين تنتهي هذه الحرب المجنونة، ستكون أمام كل تلك الملايين على أرضهم وبكل واقعية ومنطقية ستجد نفسها عاجزة عن إيجاد حل لتلك المعضلة الكبرى، معضلة شعب كامل يتمسك بأرضه إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *