الاعلام الفلسطيني في مرمى النار ..صراع السرديات وثبات الرواية
أمد/ في زمن الحروب ان الضحية الاولى هي الحقيقة، ففي الحرب لا تقتصر المواجهة على الميدان فقط، بل تمتد إلى مجال آخر لا يقل أهمية، وهو مجال السرديات والحقيقة. هذه المعركة التي يخوضها الإعلام الفلسطيني اليوم تتسم بصعوبة استثنائية، إذ لا يواجه الصحفيون الفلسطينيون وحسب ظروف الحرب المعتادة، بل يقفون في وجه آلة ضخمة من التضليل والتزييف تقودها دولة الاحتلال. يُستهدف الإعلاميون، تُهدم مكاتبهم، وتُهدد حياتهم وعائلاتهم، والهدف من ذلك هو محاولة إسكات صوت الحق وتفتيت السردية الفلسطينية.
الإعلام الفلسطيني واستهداف الصحفيين: التضحية ليست مجرد رقم
أمام هذا الاستهداف المتواصل، لا يجب النظر إلى ضحايا الإعلاميين كأرقام في إحصاءات، بل كل صحفي يُستهدف يجب أن يُعامل كقضية إنسانية بحد ذاتها تستوجب التفاعل القانوني والإعلامي والدولي لمحاسبة الاحتلال على جرائمه. ومن هنا، يبرز سؤال: كيف يمكن تحويل استهداف الصحفيين إلى قضايا حقوقية وقانونية دولية تتبناها المؤسسات والهيئات المعنية بحقوق الإنسان؟ فكل صحفي فلسطيني يُستشهد أو يُعتقل هو شاهد على جرائم تُرتكب بحق الإنسانية، وعلينا كإعلاميين وناشطين إلقاء الضوء على كل قضية بذاتها والمطالبة بتحقيق العدالة.
من أجل تعزيز فعالية الإعلام الفلسطيني، من الضروري بناء تحالفات مع منظمات حقوقية دولية تُعنى بحقوق الصحفيين، وتقديم دعاوى قضائية ضد الاحتلال عبر القنوات القانونية الدولية، لضمان أن الجرائم التي تُرتكب بحق الصحفيين لن تمر دون عقاب. إضافة إلى ذلك، يجب تكثيف الجهود في إبراز تضحيات هؤلاء الصحفيين، وعدم حصرهم كأرقام تزيد من حدة المشهد فحسب، بل كقصص إنسانية ومهنية شجاعة يجب أن تُخلد.
توحيد الرواية الفلسطينية: ضرورة لمواجهة تزييف الحقائق
من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام الفلسطيني اليوم هي توحيد الرواية الفلسطينية وبناء سردية قوية ومتناسقة تستطيع مواجهة الرواية الإسرائيلية القائمة على تضليل الحقائق وتشويه الوقائع. فعلى الرغم من أن الفلسطينيين هم الضحية لجرائم الاحتلال منذ عقود، إلا أن هذه الحقيقة تُخفى في ظل الحملات الإعلامية التي تصور الاحتلال كمظلوم وتروج لمظلومية زائفة على حساب تضحيات الشعب الفلسطيني. ولندرك اهمية ذلك علينا ان نتذكر كيف تورط الرئيس الامريكي في تبني وتكرير السردية الاسرائيلية عن احداث السابع من اكتوبر وهو ذات النهج المتبع من كافة اركان الادارة الامريكية حتى اللحظة.
ويبقى التساؤل كيف يمكننا توحيد الرواية الفلسطينية لتصبح أكثر رسوخًا ووضوحًا؟
وساحاول الاسهام في وضع الاجابة حيث يتطلب ذلك الابتعاد عن تصوير المقاومة الفلسطينية كقوة تضاهي قوة الاحتلال، فالمقاومة ليست جيشًا ولا تملك ترسانة عسكرية كتلك التي يملكها الاحتلال، بل هي رد فعل طبيعي على عدوان قائم، ووسيلة نضال يسعى من خلالها الفلسطينيون إلى التحرر من نير الاحتلال. إن تصوير الواقع كما هو، يعزز مصداقية الرواية الفلسطينية ويُظهر للعالم الصورة الحقيقية للصراع، حيث يقف الشعب الأعزل في وجه اعتى واكبر آلة حربية في المنطقة.
الإعلام العربي ومسؤوليته تجاه القضية الفلسطينية
الإعلام العربي يُفترض أن يكون السند والداعم للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية. إلا أن الواقع يشير أحيانًا إلى وجود خيانات إعلامية، كما حدث في التقرير الذي بثته مجموعة MBC حول القيادات الفلسطينية، والذي أثار غضبًا شعبيًا واسعًا لما انطوى عليه من تشويه للحقائق وتسويغ للرواية الإسرائيلية. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى مساءلة الإعلام العربي وتحديد التزاماته تجاه القضية الفلسطينية.
ولكن السؤال كيف يمكننا كعرب أن نضع ضوابط إعلامية تُلزم الوسائل الإعلامية باحترام القضية الفلسطينية؟ فلا يكفي أن يكون التعامل مع الأخطاء بردود فعل آنية ومؤقتة؛ بل يجب تكوين ضغط شعبي عربي منظم قادر على التأثير في السياسات التحريرية للمنصات الإعلامية العربية. يمكن لهذا الضغط أن يأخذ شكل حملات توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي، واللجوء إلى توقيع العرائض، وتأسيس جمعيات داعمة تكون بمثابة حارس للقضية الفلسطينية في الإعلام العربي، تُراقب وتحاسب كل مؤسسة تحيد عن المبادئ العامة لدعم حقوق الفلسطينيين.
ما المطلوب من الإعلام الفلسطيني ليكون أكثر فاعلية؟
لزيادة فاعلية الإعلام الفلسطيني في مواجهة الرواية الإسرائيلية وتحقيق تأثير أكبر على الساحة الدولية، ينبغي تبني خطة شاملة تعزز من حضوره وفاعليته في نقل السردية الفلسطينية. أولى الخطوات تتعلق بإعداد كوادر إعلامية على مستوى عالٍ من الاحترافية، حيث يجب التركيز على تدريب الصحفيين الفلسطينيين وتطوير مهاراتهم في تغطية النزاعات بأساليب احترافية تعتمد على السرد القصصي المؤثر واستخدام الوسائط المتعددة. هذه المهارات تساعد في إيصال القصة الفلسطينية بأسلوب أكثر جاذبية وقوة، مما يمكنه كسب تعاطف المشاهدين حول العالم.
من جهة أخرى، يجب على الإعلام الفلسطيني أن يستفيد بشكل أوسع من وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منصة مفتوحة بلا قيود تُمكن من الوصول إلى جمهور واسع. في هذا السياق، يصبح ضروريًا تطوير محتوى رقمي متعدد اللغات، موجه لجماهير مختلفة حول العالم، يعكس معاناة الشعب الفلسطيني وتضحياته وينقل صورة واقعية للجرائم التي يرتكبها الاحتلال.
يضاف إلى ذلك، أهمية بناء شبكة تحالفات قوية مع وسائل إعلام دولية ومنظمات حقوقية، بهدف إيصال السردية الفلسطينية إلى جمهور عالمي أكثر تنوعًا، مما يسهم في خلق قاعدة دعم دولية أوسع للقضية الفلسطينية. هذه التحالفات يمكن أن تشكل صوتًا مساندًا للإعلام الفلسطيني، وتفتح أبوابًا لنقل الحقائق إلى خارج الحدود المغلقة.
أخيرًا، يجب التركيز على السرديات الإنسانية المؤثرة من خلال تسليط الضوء على القصص الفردية للضحايا وعائلاتهم، وكذلك على الصحفيين الذين يتعرضون للاستهداف المباشر. إن إبراز الجوانب الإنسانية يسهم في تقديم صورة حقيقية تعبر عن الواقع المؤلم والمعاناة اليومية، ما يعزز من قدرة السردية الفلسطينية على التأثير في الرأي العام العالمي وجذب مزيد من الدعم والتضامن.
في النهاية، يشكل الإعلام الفلسطيني خط الدفاع الأول ضد التزييف الذي يقوده الاحتلال، ويبرز اليوم كقوة أساسية في صراع السرديات. من هنا تأتي أهمية تكاتف الإعلام الفلسطيني والعربي وتوحيد الجهود لبناء رواية متماسكة تقف صامدة في وجه محاولات تشويه الحقائق وطمس حقوق الشعب الفلسطيني. إن مسؤوليتنا تجاه الصحفيين الفلسطينيين وكل فرد يُستهدف في نقل الحقيقة تتجاوز التعاطف؛ إنها مسؤولية تاريخية لإنقاذ الحقيقة نفسها من أن تكون ضحية أخرى لهذا الصراع المستمر.