الاستعداد لاستقبال شهر رمضان
يحل علينا قريبا شهر كريم، وموسم عظيم، خصه الله على سائرِ الشهورِ بالتشريف والتكريم، أَنزل فيهِ القرآن العظيم، وفرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وقال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وقال صلى اللهُ عليه وسلم: “بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مسلم: كيف أستعد استعدادا حقيقيا لاستقبال شهر رمضان؟ ولكي يستعد المسلم لاستقبال شهر رمضان فإن عليه أن يعلم أن شهر رمضان يحتاج منه إلى استقبال خاص فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”، وقال معلى بن الفضل: كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتَسَلمه مني متقبلً. وهذا الاستقبال الخاص يتضمن من المسلم عدة أمور:
ينبغي للمسلم ألا يفرط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فاحرص أخي المسلم على استقبال رمضان بهذه الوسائل:
الإخلاص لله في الصيام: إذ الإخلاص هو روح الطاعات ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن، قال ابن القيم: “وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك، يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته”.
وقد أمرنا الله جل جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه فقال تعالى: {وما أمروا إِلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}. فإذا علم الصائم أن الإخلاص في الصيام سبب لمعونة الله وتوفيقه هذا مما يحفز المؤمن لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى.
الحمد والشكر على بلوغه: قال الإمام النووي: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكرا لله تعالى أو يثني بما هو أهله)، وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة والعبادة؛ فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها فالحمد لله حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
الفرح والابتهاج: لقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه؛ وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات وتنزل الرحمات، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول: “جاءكم شهر رمضان، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم”.
عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة: وأن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والإقلاع عنها وعدم العودة إليها فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة: مع الله سبحانه بالتوبة الصادقة. والرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، ومع الوالدين والأقارب والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة، ثم مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبدا صالحا ونافعا، قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الناس أنفعهم للناس”.
المسابقة والمنافسة على الخيرات: ولنتذكر أن هذا الشهر الكريم أيامه سريعة الزوال فلنبتدرها تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر فيه من العمل الصالح، قال الحسن البصري: “إن الله جعل شهر رمضان وقتا للمسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالأعمال الصالحات فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا”.
التحلل من جميع المظال :على المسلم وهو يستقبل شهر رمضان أن يستقبله ويستعد له بالتحلل من جميع المظالم سواء كانت في حق الله أم في حق العباد؛ فالمظالم التي في حق الله تحتاج إلى التوبة النصوح وكثرة الاستغفار، أما مظالم العباد فيجب أن ترد تلك المظالم إلى أصحابها وأن يطلب منهم المسامحة والصفح، فعن أبي هريرة عنِ النبِي صلى الله عليه وسلم قال: “من كانت عنده مظلمة من أخيه من عرضه أو ماله فليتحلله اليوم، قبل أن يؤخذ حين لا يكون دينار ولا درهم، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه”.
رمضان فرصة من أعظم الفرص للإقبال على العبادة والتعرض لنفحات الرحمات والخيرات من الله تعالى، فعن أنسٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اطلبوا الخير وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء، واسألوا الله أَن يستر عوراتكم وأَن يؤمن روعاتكم”.