أمد/ بكل بساطة وهدوء علينا ان نعترف علنا ومن تلقاء أنفسنا أننا نعرف ونرى ونسمع ان العالم باسره يسرق منا بلادنا واسمها ويحولنا الى مجموعة من الناس مقسمين منقسمين, مقسمين بطريقة عجيبة غريبة فلأننا منسجمين مع أنفسنا فقد وجدوا الكثير من المسائل لتقسيمنا بموجبها, حسب المناطق فهناك الضفاويين والغزيين والمقدسيين والبدو والدروز والشركس والمسيحيين وتركوا كلمة عرب لتلتصق فقط بمن هم داخل الأراضي المحتلة عام 1948 من المسلمين وفقط غابت كلمة فلسطين والأسوأ من ذلك أننا منقسمين وليس انقسامنا الحالي هو أول انقسام في تاريخنا.
صحيح ان الانقسام ليس حالة فلسطينية حصرية فهو ظاهرة سياسية عرفها التاريخ منذ القدم لكن الذي يميز الحالة الفلسطينية ان الانقسام جاء وظل تحت حراب الأعداء المشرعة على رقاب الطرفين وهو ما لم يسبق لشعب ان عاش مثل هذه الحالة ابدا وقد لا تكون قابلة للدراسة الفكرية والسياسية والاجتماعية وإذا جاز التعبير فإن هناك قراءة واحدة ممكنة وهي القراءة الامنية وتدخل الآخرين في الشان الفلسطيني تاريخيا.
لقد تنبهت بريطانيا اولا الى تلك الطريقة الاقدم في التاريخ للسيطرة على الاعداء وهي قاعدة ” فرق تسد ” وقد لجأت لذلك مبكرا كي تهيء الارض لانجاح سرقة فلسطين لصالح المشروع الصهيوني الخادم لمصالح الاستعمار سابقا ولاحقا وقد قامت بريطانيا عام 1920بدعم راغب النشاشيبي رئيسا لبلدية القدس عام 1920 وهو الى جانب كونه ممثلا لعائلة عريقة كان ايضا زعيما لحزب الدفاع ولجات بعدها فورا الى تعيين امين الحسيني مفتيا عام 1921وهو ايضا رئيسا للمجلس الاسلامي الاعلى وزعيما للحزب العربي وقد ادى الصراع بين الطرفين الى اضعاف الفلسطينيين وسهل سيطرة الحركة الصهيونية واقامة دولة الاحتلال على غالبية الارض الفلسطينية وقد اثر هذا الصراع التناحري على تطورات القضية الفلسطينية حد تغييبها لغياب قيادة واحدة للوطن والشعب الى جانب ان هذا الصراع امتد حتى الى الستينات وما بعد ظهور الفصائل الفلسطينية وكان الاقتتال العنيف شكلا من اشكال علاقة الفصائل ببعضها حتى على الساحة الاردنية بعد هزيمة 1967 الى ان انتهى الوجود هناك بعد ايلول 1970 ثم انتقل هذاالصراع الى ما بعد حرب اكتوبر 1973 وظهر مشروع السلطة الفلسطينية والصراع عليه وظهور جبهة الرفض ثم الانقسام داخل فتح نفسها عبر ظهور فتح الانتفاضة وبعدها ظهرت جبهة الانقاذ او حتى ظهور اطراف ثلاثة هي فتح اللجنة المركزية والتحالف الوطني صار فيما بعد جبهة الانقاذ والتحالف الديمقراطي ” شعبية ديمقراطية ” لم يدم طويلا الى ان جاءت اوسلو وشكلت الشعرة التي قصمت ظهر البعير وغابت الوحدة عن الكل الفلسطيني كليا الى ان تكرس ذلك بابشع صوره ولا زال عام 2007 وحتى اللحظة لا زال الشعب الفلسطيني يعاني من اثاره وقد تجلت هذه الاثار في اسوا الصور بعد السابع من اكتوبر2023.
الشعب الفلسطيني الذي عانى من التهميش وابعاده عن قضيته وقضى عقودا يناضل في سبيل استعادة دوره وحقه في قضيته يعود هذه الايام الى نقطة الصفر من جديد فرغم كل التضحيات والعذابات التي عاشها الشعب والوطن في غزة اساسا وكل الوطن عموما بعد السابع من أكتوبر 2023 والتفاف العالم باسره الى جانب فلسطين وشعبها وارضها الا ان الانقسام شكل أساسا لتخريب كل شيء بعد ان واصل الفلسطينيون الفشل في تحقيق الوحدة مما دفع بالعالم لان يستثنيهم جميعا ويقرر ما يراه كما يراه لقضية غاب أصحابها منشغلين بخلافاتهم التي سمحت لمجلس الأمن ان يصدر قرارا سيشكل غدا ان تم تمريره القبر الذي ستدفن فيه القضية لعقود قادمة ولا أحد يمكنه التنبؤ الى أين يمكن للامور ان تفضي في المستقبل البعيد.
الفلسطينيون انقسموا كعادتهم على قرار مجلس الأمن وخطة ترامب تماما كذاك الانقسام الذي كان على قرار التقسيم فضاعت فلسطين واختفى اسمها حينها وتأسست دولة الاحتلال على الارض الفلسطينية وفي تلك الفترة اتهم من ايد التقسيم بالخيانة ومن عارضه ظل عاجزا عن فعل أي شيء لاسقاطه او منع قيام دولة الاحتلال وكانت النتيجة ان إسرائيل صارت حقيقة ولم يعد لفلسطين مكانا على الارض.
اليوم كعادته يفتح التاريخ فمه في وجوهنا على مصراعيه مقهقها على تلك القاعدة أنه يعود مرة على شكل ماساة وقد كانت النكبة تلك الماساة ومرة على شكل مهزلة وقد جاء قرار مجلس الأمن 2803 تلك المهزلة بحيث صدر قرار تغيب فيه فلسطين أرضا وشعبا وممثلين بعد ان افقدوا بعضهم هذه الصفة بانقسام يصرون عليه اكثر من اصرارهم على حقوقهم وبلادهم.
العالم اقر مشروع ترامب الذي:
يلغي قضية فلسطين ويختزلها في غزة حتى لو صدق بالدولة فليست أكثر من بعض غزة وتحت حماية مجلس السلام الامريكي.
يمنح مجلس السلام ” ترامب ” حق نقل الفلسطينيين لتنفيذ خطة ترامب الشاملة
يلغي العلاقة بين القطع الفلسطينية المعزولة عن بعضها ” القدس , الضفة , غزة ” حتى بعد ان قبل الفلسطينيين بما تبقى من الوطن ارضا لدولة لا يدرون كيف يمكن لها ان تقوم
يؤسس لادارة غريبة لجزء من وطن ممزق ويترك ما تبقى منه لقمة سائغة بيد الاحتلال
يجعل غزة ارض بلا مالك ويمنح الغرباء ملكيتها دون ان يحدد من هم ” مجلس السلام ” غير المعروف عنه الا مؤسسه أعلن عنها لفظا وعين نفسه رئيسا لها لفظا وترك لنفسه حق بنائها وتشكيلها كما يتوافق مع ما قاله عن رغبة الولايات المتحدة بأخذ غزة بسلطة الولايات المتحدة فظهر أنه سيفعل وبتفويض عربي إسلامي أممي رسمي وقانوني ومعلن بموافقة الجميع بلا استثناء الا من ظل صامتا ورفض التأييد ولم يعرض ” روسيا والصين “
منح الولايات المتحدة حق امتلاك غزة على المدى البعيد وترك الضفة الغربية بين يدي دولة الاحتلال لتهويدها بعد ان غيب القدس وشرعن دولة الاحتلال نفسها رغم كل الجريمة وتداعياتها.
الغى قضية فلسطين وحولها الى قضية إنسانية تخص مجموعة عرقية ” الفلسطينيين ” وشأن داخلي لدولة الاحتلال.
نقل الحال الى ما هو أسوأ فبعد النكبة الكبرى 1948 وهزيمة 1967 وكارثية أوسو وتهريب القدس جاءت مقتلة غزة التي انتهت بتحويل كل فلسطين وشعبها للوقوع بين يدي مهلكة لا نهايات واضحة لها فالمقتلة تواصلت بشكلها البطيء ومعها الخنق والحصار والتضييق حد التجويع لتحويل حياة الفلسطيني الى جحيم مما يدفعه مع الوقت للبحث عن خلاص فردي والانفكاك عن قضيته الوطنية.
كل الأهداف التي تسعى اليها الولايات المتحدة ودولة الاحتلال كان يمكن لها ان تتحطم منذ اللحظة الاولى ولكن على صخرة الشعب الواحد الموحد والمنشغل بقضيته لا شعب منقسم وقيادة منشغلة عن شعبها بذاتها, هذا الشعب منذ بدايات قضيته ولا زال يواصل الانقسام منشغلا بالإضرار بذاته قبل ان يفعل الأعداء ذلك وقد غاب حتى كانت النكبة وتوارى حتى جاءت النكسة وحين عاد باسم الثورة والمنظمة والمقاومة وجد طرقا وطرق لمواصلة انقسامه الى ان جاءت الطامة الكبرى في أوسلو ومع كل تداعياتها وما وصلت اليه الا ان ذلك لم يكن حافزا لوحدته بل على العكس تعمق انقسامه في أبشع أشكاله وهذه المرة ظهر الانقسام ليس في السياسة فقط بل وحتى على أرض الوطن ” غزة والضفة ” الى ان جاءت المقتلة على غزة بعد أكتوبر 2023 ومع كل عذاباتها وبسالة ابنائها الا ان الانقسام ظل حاضرا والوحدة ظلت بعيدة بل وأبعد مما كانت عليه.
يبدو ظاهريا ان المقتلة على غزة توقفت لكن واقع الحال يقول اننا انتقلنا الى المهلكة فالقتل وتضييق الخناق و التجويع والإفقار وكسر البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وسرقة التراب وتهريب غزة لأمريكا باسم القانون الدولي وترك الضفة بعذاباتها وعذابات أهلها تسرق وتهود ويغيب الوطن ويقتل الشعب وتضيع القضية ولا يبقى لدينا الا انقسامنا ننتحر به بعيدا عن الوطن الذي غيبه الانقسام حد القاءه فهي مهلكة الأعداء من كل حدب وصوب فهل لا زال هناك أمل بان نجعل من الجرح نهرا لمصب يلقي بكل أحماله في بحر الوحدة الوطنية فنعود ويعود الوطن ام ان الامل انتهى ولن نذكر من تاريخنا وتاريخ بلادنا الانقسام والهزائم بعد ان نغتال كل بسالات مقاومة هذا الشعب وعذابات ناسه.
