أمد/ يختزن الذكاء الاصطناعي معلومات ذات قيمة دلالية في التعريف بالأشياء أو الأفكار التي يريد المستخدم البحث عنها، وفي تطوّر إيجابي فإن أول النتائج التي تقفز أمام المستخدم/ الباحث تَصوّر الذكاء الاصطناعي عن هذا الأمر المبحوث عنه، فيقدّم خلاصة نافعة مع مجموعة من الروابط التي تحيل إلى المصدر.

لم أنشر من كتاب “الإنقاص البلاغي المفهوم والتطبيق” سوى المقال الأول منه الذي أبيّن فيه حدود المصطلح وعلاقته بالحذف والتكثيف وأضع فيه التصور الخاص لهذا المصطلح، وفي المرحلة الأخيرة من التأليف، توجهت إلى الذكاء الاصطناعي لأرى بماذا يلخص الكتاب، ليكون رأيه جزءاً من خاتمة الكتاب، وأشرت إلى ذلك في موضعه (ص 104) ولا داعيَ لإعادته مرة أخرى.

وبعد النشر، وصدور الكتاب عن مكتبة كل شيء في حيفا (آب، 2025) أعددتُ عدة تقارير صحفية للنشر، منها الموجز، ومنها المفصل للإعلان عن صدور الكتاب، ونشرت هذه التقارير في الصحف والمجلات العربية والمواقع الإلكترونية، كل هذه التقارير كانت مراجع للذكاء الاصطناعي، وهو يقدّم ملخصاً حول “المفهوم” لكنه لم يذكر الكتاب. ربما لأن مفردة الكتاب غير موجودة في نص البحث الجوجليّ، من المؤكد أن خلاصته ستختلف لو كان البحث مثلا “كتاب الإنقاص البلاغي”، وما يعنيني كباحث هو المفهوم، وليس الكتاب، بمعنى آخر؛ فإن الكتاب جاء ليشرح المفهوم ويقدّم عليه أمثلة، لذلك فالكتاب وسيلة وليس غاية في هذا المشروع النقدي البلاغي.

على أية حال، يبدو أن مصطلح “الإنقاص البلاغي” نجح في الاستقرار في ذاكرة الذكاء الاصطناعي ومفكّرته الخوارزميّة، بدليل أنني كلما بحثت عن المصطلح في مستطيل البحث الجوجليّ يبادر الذكاء الاصطناعي بتقديم رؤيته. ومن الملاحظ أنه لا يقدم في كل مرة المعلومات ذاتها حرفيا إنما يعيد صياغتها لكنه في كل مرة يؤكد المفهوم وحدوده وأهميته وعلاقته بالحذف والتكثيف. وفيما يأتي واحدة من هذه المرات، وقدّم فيها هذه المعلومات تحت عنوان “نبذة باستخدام الذكاء الاصطناعي”:

الإنقاص البلاغي” مصطلح نقدي جديد أطلقه الباحث والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ويعنى به تلك التقنية الأدبية التي تقوم على الحذف المتعمد أو الاختزال الواعي للعناصر غير الضرورية في النص، بهدف زيادة قوته وتأثيره وجمالياته. يعتمد هذا المفهوم على فكرة أن ما يتم استبعاده من النص قد يكون له بلاغة أقوى من الظاهر، وأن الغياب يمكن أن يكون أداة فنية فعالة في الأدب. 

الأسس والمبادئ:

التركيز على الغياب:

يرى المفهوم أن جمالية النص تكمن في ما تم إقصاؤه، وليس فقط في ما تم قوله. 

تنمية التأثير:

يهدف الإنقاص البلاغي إلى جعل السرد أكثر تأثيراً من خلال تجنب الإسهاب والترهل. 

تجاوز المألوف: 

يتضمن المفهوم نوعاً من “التكثيف” أو “الاختزال” الذي يترك المتلقي ليكمل الصورة بنفسه، كما في الكاريكاتير أو كتب الأطفال الخالية من النصوص.

تطبيقات واسعة:

يُطبق الإنقاص البلاغي على أشكال أدبية وفنية متنوعة، مثل القصص القصيرة، القرآن، الأمثال الشعبية، وحتى فنون أخرى كالنحت والسينما.

أمثلة وتطبيقات: 

في الأدب:

ملاحظة العناصر التي تستبعدها الأعمال الأدبية، مثل إقصاء رمز فلسطيني عميق في رواية “الحياة كما ينبغي” لأحمد رفيق عوض.

في النصوص الدينية:

تطبيق المفهوم على القصص القرآنية، مثل قصة موسى وزكريا عليهما السلام، حيث يركز النص على محطات تربوية مع استبعاد التفاصيل غير الضرورية.

في الأمثال الشعبية:

استخدام الأمثال التي تختزل قصة كاملة في عبارة موجزة للحفاظ على الذاكرة الثقافية.

الهدف:

الهدف من الإنقاص البلاغي هو تقديم رؤية نقدية شاملة للإبداع تركز على جماليات الغياب، وتُظهر أن الاختزال الواعي يمكن أن يزيد من بلاغة النص وتأثيره، كما يشجع على بناء نقد أدبي عربي مستقل. (انتهت النبذة)

ما هو مهمّ في هذا كله، الإجابة عن هذه الأسئلة: هل سيحتفظ الذكاء الاصطناعي بهذه المعلومات أبداً أو يطوّرها في المستقبل؟ وهل تمثل نبذته المختصرة أساساً بحثياً يدفع الباحثين على أن يدخلوا في هذا المضمار من الدراسة؟ وهل ينجح هذا المصطلح بالانتقال من الذاكرة الافتراضية السائلة/ المتغيرة للذكاء الاصطناعي ليستقر في كتب المصطلحات النقدية والبلاغية الجديدة؟ وأخيراً هل فعلا نجحتُ في صياغة مصطلح جديد أم لم يعد كونه طريقة تحليل وصفية كما يفهم من رد لجنة اللغة العربية في مجمع اللغة العربية في دمشق: “وأن أنسب ما يُوصف به ذلك الذي ذكر ونصّ عليه ومثّل له هو “البناء النصي الخاص الفني الأسلوبي”، وإن شئت “عمارة النص المميزة”؛ فإذا كان في ذلك البناء أو تلك العمارة شيء من البلاغة يدل عليه البناء النصي، وتوحي به مقاصد المنشي سميَ بحسب حاله بالاصطلاح البلاغي المعهود الذي يُعرف به”. بمعنى أنهم يريدون توصيف النص الأدبي المدروس بالمصطلحات البلاغية القديمة فهي تغني عن سكّ مصطلح جديد من وجهة نظرهم.

لقد بنى المجمع رأيه الأول على المقال الذي نشرته “في تأمّل تجربة الكتابة: مفهوم “الإنقاص البلاغي” وعلاقته بالحذف والتكثيف”، وبعثته للمجمع من أجل النظر في المصطلح، وعلى إثر الرأي الأول، أرسلت الكتاب كاملاً للمجمع، لكنّه لم يعر الكتاب أي اهتمام، ورفضت لجنته المحتصة قراءته كاملاً، وكنت قد استدركتُ وبينت تحت عنوان “شرعية ولادة المصطلحات” أهمية ولادة المصطلحات البلاغية والنقدية، وأن كثيرا منها ارتبط بمفكرين ونقاد، وطرحت لذلك أمثلة: مصطلح النظم/ عبد القاهر الجرجاني، ومصطلح موت المؤلف/ رولان بارت، ومصطلح الشعر المهموس/ محمد مندور. وبالعودة إلى ثلاثة من معاجم المصطلحات العربية لم أجد فيها ذكرا لمصطلح محمد مندور “الشعر المهموس”، فعلى سبيل المثال يورد مجدي وهبة في معجم مصطلحات الأدب واحدا وعشرين مصطلحا وتصنيفا شعرياً، لم يكن “الشعر المهموس” واحدا منها، وكذلك الحال في معجم مصطلحات الأدب في ثلاثة مجلدات الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة، على الرغم من حداثة المعجم (2022) ومشاركة نقاد بارزون في إعداده والإشراف عليه إلا أن مصطلح محمد مندور لم يكن موجودا، ومثل هذين المعجمين معجم المصطلحات الأدبية الذي أعده الباحث إبراهيم فتحي.

يقابل هذا الإهمالَ، اهتمام بمصطلح رولان بارت “موت المؤلف”، إذ ورد له ذكر وتفسير في الجزء الثاني من معجم “مصطلحات الأدب” لمجمع اللغة العربية في القاهرة، على الرغم من أنه في الأساس مصطلح لغوي، يشير إلى استنفاد اللغة من خلال الاستعمال التاريخي لألفاظها، وأنه لا يوجد أي لفظ عذري أو خاص، وأنه لا فضل لمؤلف أفضلية خاصة في إنتاج أدبه، لأنه يعيد لغة مستعملة، وعلى الرغم أيضا أنه مصطلح لا إجراءات بحثية أو نقدية له إلا أنه صار مصطلحا طاغياً، يحتل عقول الباحثين والنقاد الكبار والصغار في كتب النقد أيضاً.

وأظن أن هذه المسألة في شقيها السابقين لا تخلو من تعظيم كل ما هو أجنبي، واستصغار كل ما هو عربيّ، ناتج عن “الانبهار العربي” بالعقل الغربي وإنتاجاته حتى لو كانت غير منطقية وغير معقولة كمصطلح “موت المؤلف” الذي أخذ إلى مجالات لم يكن رولان بارت يفكّر فيها أصلاً، وإنما ركب الوهمُ عقول هؤلاء المضبوعين فصار المصطلح نظرية!

وفي حالة مصطلح “الإنقاص البلاغي” فقد تعذّر القائمون على الأمر في مجمع اللغة العربية في دمشق بالقول: “نظرت لجنة اللغة العربية وعلومها في جلستها التاسعة المنعقدة بتاريخ: 6/7/2025 م في رسالتك التي تطلب فيها بيان الرأي في كتابك الذي أرسلته إلكترونياً (مفهوم الإنقاص البلاغي) بعد دراسته كاملاً، فرأت اللجنة أنّ كثرة المشاغل تحول دون النظر الدقيق في الكتاب، وقد أجابتك سابقاً عن مصطلح (الإنقاص البلاغي) وبيّنت رأيها مفصلاً ومعللاً.

لا شك في أنني مدين بالشكر لمجمع اللغة العربية في دمشق لعدم إهماله رسالتي، علماً أنني أرسلت الطلب ذاته لمجامع لغوية أخرى، لكنهم لم يهتموا بالأمر، وربما كان لهم عذر وأنا لا أعلمه، أقله وأبسطه أنه يمكن ألّا يكون طلبي قد وصل إليهم، فقد أرسلته عبر البريد الإلكتروني، ولم تعد هذه الوسيلة مضمونة لإيصال ما يجب إيصاله، نظراً لعدة أسباب تقنية إلكترونية، ليس هذا محل الإسهاب في بيانها.

ويبقى السؤال المركزي في مثل هذه الحالة: هل يغني رأي الذكاء الاصطناعي عن رأي المجامع اللغوية وكتب المصطلحات الأدبية؟ وهل يجد الباحث عزاءه في الخورازميات الرقمية بعد أن خذله العقل البشري؟ وأخيرا أتمنى أن يتاح لمصطلح “الإنقاص البلاغي” المشفوع بالشرح والبيان في إجراءاته النقدية فرصة الاختبار الحقيقي في دراسات مستقبلية من جيل جديد من الباحثين ليسوا متعصبين للقديم وللتراث ولمنظومته الفكرية الاصطلاحية، جيل يؤمن بالتطور والتجديد، فمن حقنا كباحثين أن يكون لنا مصطلحاتنا الخاصة بنا، وإن لم تحفل بها المؤسسات الرسمية.

شاركها.