الإنابة إلى الله وقت الشدائد…
مما هو واقع ومشاهد أن الدنيا جُبلت على الأكدار والمصائب والشدائد، وللقلب أهمية قصوى عند الشدائد والأكدار، ومن أهم أعمال القلوب التي يحتاج إليها الإنسان في وقت الشدة الإنابة إلى الله، والخوف منه وحده، والتوكل عليه والتضرع إليه.
إن مما ينبغي على المسلم أن تكون تصرفاته وحركاته لربه، وأن تكون منضبطة بنور الوحيين، وإذا كان للجوارح أعمال كالصلاة والصوم والحج، فإن للقلوب أعمالا أعظم من ذلك بكثير؛ وذلك لأن عمل القلب ينبني عليه صلاح عمل الجوارح أو فسادها: {الله نزَّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
ومن أعمال القلوب المهمة عند حصول الشدائد الإنابة إلى الله: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}، ولما امتدح ربنا داود عليه السلام قال: {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب}، ومعنى الإنابة إلى الله تعالى الرجوع إليه، والتوبة إليه سبحانه: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، والقلوب على ثلاثة أنواع: ميت لا خير فيه، وحي لكنه منشغل عن الآيات معرض عنها، وحي مستعد، تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه، وأحضر قلبه، فهو شاهد القلب ملق للسمع، فهذا هو الذي ينتفع.
واعلم رعاك الله أن الخوف إذا كان من الله لا من غيره ترتبت على ذلك نتائج عظيمة أهمها الطمأنينة التي تنزل تلقائيا في القلب: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وذكر الله في الآية هو القرآن، والذي يُعرِض عن القرآن يتزلزل قلبه، وتضطرب معيشته: {ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}، وإذا طال الخوف على الإنسان واشتد به وأراد الله أن يريحه أنزل عليه السكينة، ومن هنا كان للعلماء الربانيين أدوار مهمة في تثبيت الناس، يقول ابن القيم رحمه الله: كنا عندما تُزلزل الأمور نذهب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فنجلس إليه، فما هو إلا أن نسمع كلامه حتى ترتاح القلوب وتهدأ النفوس وتطمئن.
والخوف من الله سبحانه يستوجب أمرا آخر، وهو عدم الأمن من مكر الله: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم}، فهؤلاء الذين مكروا السيئات عملوها، ودعوا الناس إليها، وحرضوهم عليها، وشجعوهم على فعلها: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين}، وتقلبهم هو تنقلهم في الأسفار وغيرها، وتغيرهم في أحوالهم.
ومن أهم أعمال القلوب التوكل على الله: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وكان صلّى الله عليه وسلم يقول في دعائه وذكره لربه: “اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت”، وكان يفوض أمره إلى ربه حتى عند النوم فيقول: “أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك”.
وهذا موسى عليه السلام لما أرسله الله لبني إسرائيل وكانوا في اضطهاد وظلم، قال: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة} أي: اجعلوها عامرة بذكر الله؛ لأن هذا الذي ينجي في الأخطار، وهذا الذي يصبّر الناس، فماذا قال موسى لقومه؟ وقال موسى لقومه لمن آمن به: {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، فقالوا على الله توكلنا}، ولذلك لابد أن يواطئ اللسان القلب؛ فالقلب متوكل واللسان يقول: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}، {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} أي: يكفيك ويكفي المؤمنين الذين اتبعوك، فهو حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي براقي