الإصلاح بين الناس في رمضان

جرت العادة أن يكون بين الناس بعض المشكلات والمنازعات والخصومات والخلافات التي تكون نتيجة لاختلاف الآراء والأهواء، وتباين الرغبات والاتجاهات، ما ينتج عنه وقوع الهجر وحصول القطيعة وانتشار العداوة والبغضاء وتفرق الكلمة وتشتيت الشمل، مما لا يُحبه الله ولا يرضاه، لاسيما بين الإخوان والأقارب والجيران، لذا شرع الإسلام إصلاح ذات البين.
وجاء تحريم الشريعة الإسلامية الغراء لكل الطرق التي تؤدي إلى التفرق والاختلاف والضغينة والشحناء والقطيعة والبغضاء، وسد طرقها وسبلها، ولذلك أمرت الشريعة بالبر والصلة، وبإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والحب في الله، والزيارة فيه، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وحفظ حقوق الأهل والقرابة والجيران، وجعلت للمسلم على أخيه المسلم حقوقا يحفظها له، فيؤجر عليها، وأرشدت إلى كثير من الآداب والأخلاق التي من شأنها أن تقوّي الروابط، وتديم الألفة، وتزيد في المودة والمحبة بين الناس.
والأمر بإصلاح ذات البين جاء في قول الله سبحانه وتعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} الأنفال:1، وقال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} الحجرات:10، وقال عز وجل: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} النساء:128.
والاشتغال بالصلح بين المتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات؛ لما في الإصلاح بين الناس من النفع المتعدي الذي يكون سببا في وصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هُجِروا، ونظافة القلوب مما علق بها من أدران الحقد والكراهية، وذلك يؤدي إلى متانة المجتمع وقوته بتآلف أفراده وتماسكهم، روى أبو الدرداء رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى، قال: “إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة” رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
ومن فضائل الإصلاح بين الناس أنه عمل يرضي الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، يقول صلّى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه: “ألا أخبرك بعمل يرضي الله ورسوله؟”، قال نعم، قال: “أصلح بين الناس إذا فسدوا، وقارب بينهم إذا تباعدوا”. والمصلح بين الناس قد تصدق على نفسه، وقابل نعم الله بشكرها، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم: “يُصبح على كل سُلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة”. كما أن من فضائله أن المصلح لو احتاج إلى بذل مال في سبيل إطفاء فتنة وتقارب القلوب لأُعطي من الزكاة مقدار ما دفع ولو كان غنيا؛ فإن الله يقول في الصدقة: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين} التوبة:60، قال العلماء: إن الغارم على قسمين: غارم لمصلحة نفسه، كمن تحمل حقوق الناس لمصلحة نفسه الخاصة فعجز وتعب عن ذلك من غير سرف ومن غير مغامرة، فيعطى من الزكاة ما يقضي به دينه؛ وكذلك من غرم لمصلحة الآخرين، وهو الذي يصلح بين الناس، فبذل مالا في سبيل ذلك، فإنه يُعطى من الزكاة مقدار ما بذل ولو كان غنيا.
هذا وإن الإصلاح بين الناس مهمة جليلة قد فرط فيها كثير من الناس مع قدرتهم عليها، وكثير من الخصومات تكون أسبابها تافهة، وإزالتها يسيرة، وقد توجد رغبة الصلح عند كلا الخصمين، ولكن تمنعهما الأنفة والعزة من التنازل مباشرة، أو المبادرة إلى الصلح بلا وسيط، فإذا ما جاء الوسيط سهل الإصلاح بينهما؛ لرغبة كل واحد منهما في ذلك، فينال الوسيط أجرا عظيما على عمل قليل، ويؤلف بين قلبين متنافرين.