أمد/ لا تخترع العجلة… إلا إن أحببت الدوران

يقولون: لا تخترع العجلة. مثل بسيط لكنه يحمل من الحكمة ما يكفي لوقف كثير من الحماقات. فالعجلة اختُرعت، وجُرّبت، ودارت، وسارت بالبشرية من الحجارة إلى الفضاء. ولمن فاته درس التاريخ، فإن هذا الاختراع وُلِدَ في بلاد ما بين النهرين، أي أننا اليوم لا نعود إلى المربع الأول فحسب، بل نعود إلى ما قبل أربعة آلاف عام قبل الميلاد، مع أن الحضارة بدأت سيرها من هناك! أجدادنا وسلفنا لم يكتفوا بابتكار العجلة، بل أكملوا تطويرها حتى وصلوا بها إلى الفلك والفضاء.

بين المربع والمثلث

في معظم المجتمعات العربية، ما زالت العملية السياسية والتنموية في بعض الحالات تجربة مستمرة، حيث يسعى البعض إلى ابتكار حلول جديدة دون الاستفادة الكاملة من التجارب السابقة. أحيانًا تُنتج حلول غير فعّالة، فتتعثر التنمية عند أول تحدٍ سياسي أو اقتصادي، بينما تكون هناك دروس جاهزة من التجارب السابقة يمكن البناء عليها.

لعبة الابتكار… ولعبة التنفيذ

يشبه الأمر طفلًا يرفض لعبة مكتملة لأنه يريد ابتكارها من جديد. بينما الجميع يلعب ويستمتع باللعبة، يظل منشغلاً بالقطع الزاوية والمحاولات الفاشلة، متوهّمًا أنه يبتكر المستقبل. في المجال السياسي والتنموي، قد تتحمل المجتمعات تبعات القرارات المتسرعة أو المشاريع غير المدروسة، ما يؤدي أحيانًا إلى هدر الموارد وإبطاء التنمية.

العجلة تدور في مكانها

التغيير المستمر في الخطط والسياسات، خاصة عند كل تحول في السلطة، يؤدي إلى نتائج غير مستقرة. مشاريع ناجحة قديمة تُهمل، وأخرى جديدة تُطلق على عجل، فتتشتت الموارد والجهود. السياسة والتنمية تحتاجان إلى استمرارية وتخطيط طويل المدى، والقدرة على التعلم من التجارب السابقة لتجنب تكرار الأخطاء نفسها.

أدوات التنمية الحديثة

لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون التركيز على أدواتها العملية. من أهم هذه الأدوات:

1. الصناعة الإنتاجية: تعزيز التصنيع المحلي، تطوير القدرات الإنتاجية، وتحويل الموارد إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية.

2. الإنتاج الرقمي والبرمجي: دعم الابتكار في البرمجيات، التكنولوجيا الرقمية، والحلول الذكية التي تزيد من كفاءة القطاعات المختلفة.

3. التعليم والتدريب: بناء كوادر قادرة على التعامل مع التكنولوجيا والإنتاج الحديث.

4. البنية التحتية والاستثمار طويل المدى: دعم مشاريع متكاملة تضمن استدامة التنمية.

العبرة… نحو استخدام الحكمة

العبرة ليست في رفض الابتكار أو التحديث، بل في تحقيق توازن بين الاستفادة من ات السابقة وبين التجديد الملائم للواقع الحالي. المجتمعات التي توازن بين التعلم من التاريخ والتخطيط الواقعي، وتوظيف أدوات التنمية الحديثة، تتمكن من تطوير سياسات مستدامة وتحقيق تنمية أكثر فعالية.

إذا أراد القادة والمجتمعات تحسين العملية التنموية والسياسية، فلا بد من التركيز على:

1. احترام المؤسسات وتعزيز دورها.

2. بناء استراتيجيات طويلة المدى لا تتغير مع كل تغيير قيادي.

3. تقييم المشاريع والخطط السابقة للاستفادة من النجاحات وتقليل الهدر.

4. توظيف الصناعة والإنتاج الرقمي والبرمجي كأدوات رئيسية للتنمية.

5. وضع مصلحة المجتمع فوق نزوات الأفراد.

حينها تصبح العجلة أداة للارتقاء والتقدم، وتتحول التنمية والسياسة من عملية متقطعة إلى رحلة مدروسة نحو التقدم المستدام.

شاركها.