الأطلال في غزة أمد للإعلام
أمد/ إنها مدينتُنا الجميلة، التي كانت تنبض بالحياة، والأفراح، وبالكثير من المناسبات السعيدة، والذكريات الجميلة وكانت حياة شعبها الفاضل المُناضِّلْ المفضال تتراوح ما بين السهل، والصعب، والأمل، والألم، والقول، والفعلُ والعمل، والنضال والتفاؤل، والتفاعل، والتواصل مع كل أنحاء العالم؛ معروفة بِاسم غزة هاشم”، ورغم أن مساحتها صغيرة، ولكنها كبيرة في شعبها المعطاء صاحب الجود، والكرم، والصمود، والصبر، والقوة، “والعنفوان ضد العدو هو العنوان”؛ وفي قلب مدينة غزة شارع يحمل اسم الشهيد الليبي البطل “عمر المختار”، وكذلك شارع فهمي بيك، وسوق الزاوية الواقع بِجوار ميدان الساحة، وشاورما الشيخ الطيبة المذاق، وفلافل أبو طلال الرائعة وحُمص السوسي، وحلويات أبو السعود؛ حيثُ يوجد في ” المعِّدة سلوى لا تملؤها إلا تلك الحلوى”؛ وكان ميدان غزة هاشم يَعِّجُ بالناس “؛ وفيها سوق القيسارية”، والذي بُني خلال عهد المماليك في القرن الرابع عشر، ويُعد واحدًا من أهم المعالم التاريخية الأثرية في مدينة غزة، وقصر الباشا الواقع في حي الدرج بالبلدة القديمة ويوجد في غزة الزاوية الأحمدية، وحمام السمرة، والمسجد العمري الكبير، والذي يُعَدْ من أقدم، وأكبر الجوامع الأثرية في مدينة غزة وسُمي بالمسجد العمري نسبة إلى أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، والذي فُتحت المدينة في عهده. ويقع المسجد في حي الدرج وسط مدينة غزة، وهو ملاصق لسوق القيسارية (سوق الذهب) التاريخي، وقد شُيّد معظم هيكله العام من الحجر الرملي البحري المعروف محليًا باسم كركر، وهو ضخم البناء، وكان جميل جدًا من حيثُ الشكل، والهندسة، وفخامة، وروعة، وضخامة البناء؛ وأهٍ أهٍ أهٍ يا وجع القلب!!؛ فلقد قصف العدو الصهيوني المجرم النازي الفاجر الكافر ، وقتل في غزة آلاف البشر، الأغلى من كل الحجارة، وقصف، ودمر المسجد العمري، ومسجد السيد هاشم، ودمَرْ أغلب المعالم الدينية، والأثرية، وسواها بالأرض!!..
لقد كانت غزة مدينة قمة في الروعةِ، والجمال، وفيها أجمل الأشجار مثل الليمون، والبرتقال، والنخيل، وأشجار الزيتون؛ والذي يستخرج منه أفضل زيت زيتُون سُري في العالم، والفلفل الأحمر، والتوت الأحمر “الفراولة”، وأجمل الفواكه، والخضروات، وزحام الناس، وفيها أكثر حملة شهادات عليا، وأطباء، وعلماء، وأساتذة علموا العلم خاصة في دول الخليج العربي، وتخرج على أياديهم طلبة من أفضل العُلماء في العالم؛ وأما شعب غزة فيه الرحمة، والمودة والكرم، وأجمل، وألذ الطعام في العالم؛ وكان في غزة روح الروح، وعِطر الأرواح، والأفراح والليالي الملاح، وجمال المكان، وروعة الزمان؛ فغزة العزة مدينة أنيقة عتيقة رقيقة، رفيقة لها جمالٌ جميل يُزِّيِنَهُ شاطئ بحرها الساحلي الساحر غربًا، مما يزيدها روعةً، وجمالاً فوق جمالها؛ وجُل شعبها مِفضَّال مضياف سيدٌ في القول، والفعل، والعمل والنضال؛ وتعد مدينة غزة الفلسطينية من أقدم مدن العالم، أسسها العرب الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وأطلق عليها العرب غزة هاشم نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”؛ و جِّدْ النبي دُفن بها في المسجد الذي يحمل اسمه، والمعروف حاليًا باسم: “مسجد السيد هاشم”؛ وكان في قديم الزمان يأتي لغزة التجار من أنحاء الجزيرة العربية في “رحلة الشتاء، والصيف”؛ واكتسبت مدينة غزة أهمية بالغة نظرًا لموقعها الجغرافي عند ملتقى قارتي آسيا، و أفريقيا، فهي بمثابة حلقة وصل بين هاتين القارتين، وتمتاز غزة بعراقتها، وتاريخها، وحضارتها، وكانت تضم ثروة هائلة من الآثار الحضارية، والتاريخية من مختلف العصور التاريخية، وقد اكتُشف في بحرها مؤخرًا حقول كبيرة، وكثيرة من الغاز يقدر بمليارات الدولارات؛ ولذلك جن جنون العدو الصهيوني، ومعه الغرب لسرقة هذا الغاز من حيث نعلم أو لا نعلم!.
وكان في مدينة غزة هاشم: “مسجد ابن عُثمان الأثري”، الواقع في حي الشجاعية، ويعتبر ثاني أكبر المساجد الأثرية في غزة بعد الجامع العمري، وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى (شهاب الدين بن عثمان) وهو أحد علماء الدين في غزة. ويعود تاريخ الجزء الأقدم منه إلى عام 1400م، وفقًا للنقوش أعلى المدخل الجنوبي للمسجد وهو نموذج رائع للعمارة المملوكية، ويظهر ذلك في العقود المدببة التي توجد أعلى المداخل، والمئذنة على قاعدة مربعة؛ ويوجد في غزة هاشم ” دير القديس هيلاريون”؛ وهو أول الأديرة الأثرية في فلسطين، وأهمها، وهو أحد أهم الآثار الشاهدة على تاريخ فلسطين، ويعود تاريخ دير القديس هيلاريون إلى عام 329م؛ وفي غزة الكنيسة البيزنطية الواقعة في مدينة جباليا في قطاع غزة أحد أهم الكنائس في فلسطين، يعود تاريخ بنائها إلى عام 497م، وبُنيت على النظام الباسيفيكي ذو الثلاث أروقة، كنيسة بيرفيريوس من أقدم الكنائس الأثرية الموجودة في البلدة القديمة في مدينة غزة، بُنيت عام 425م وسُميت باسم القديس بيرفيريوس، وتُعرف محليًا باسم كنيسة الروم الأرثوذكس؛ ومن المعالم الأثرية كذلك في مدينة غزة المدرسة الكاملية هي المدرسة الأثرية الوحيدة التي كانت باقية في قطاع غزة، وتقع في حي الزيتون في وسط مدينة غزة، سُميت بالمدرسة الكاملية نسبة إلى الملك الأيوبي الكامل والذي بناها في عام 1237م، وبُنيت من الحجر الرملي، وهي من فن العمارة الإسلامية الراقية؛ كما يوجد في غزة قصر السقا، وهو نموذج رائع للقصور في العمارة الإسلامية من الناحية الفنية، والمعمارية والتاريخية، يوقع في حي الشجاعية في مدينة غزة، وقد تم بناؤه في عام 1661م، حيث بناه أحمد السقا أحد كبار التجّار الأثرياء في مدينة غزة في عهد السلطان محمد الرابع؛ كما يوجد في غزة: “خان الأمير يونس”، ويقع في وسط مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، بناها الأمير يونس بن عبد الله النوروزي كاتب السلطان المملوكي الظاهر برقوق عام 1387م، وكان الهدف من بنائه خدمة القوافل التجارية على امتداد الطريق الواصل بين بلاد الشام ومصر، وحصانته المعمارية أهّلته لأن يكون بمثابة قلعة محصنة، ولذلك أُطلق عليه اسم قلعة برقوق؛ علمًا أن أغلب سكان مدينة غزة هُم من اللاجئين من فلسطين المحتلة عام النكبة 1948م. وأما نحنُ فلقد كان مسقط رأسنا في مدينة غزة في شهر رمضان المبارك عام 1970م، في مخيم الشاطئ للاجئين وكان أول منزل لنا صغير من الكرميد، ومتواضع جدًا من غرفة واحدة وصالون صغير ، ويقع مباشرة على شاطئ البحر. وكان قرار من عصابة الاحتلال بزعامة الصهيوني المجرم الهالك شارون، والذي أمر جيشهُ بتوسيع شارع البحر لتمُر أليات الاحتلال المجرم بشكل لا يعرضها لعمليات الفدائيين الفلسطينيين في ذلك الوقت؛ وفعلاً قام الاحتلال بعملية تجريف، وإزالة لكل البيوت الواقعة على شاطئ البحر، ومنها بيتنا؛ ولا زالت تلك الذكريات تعشعش في ذاكرتنا، وتعيش فينا، ونعيش فيها، ومما لن ننساه مجازر العدو الصهيوني التي لا تتوقف منذ عام النكبة؛ ولا زلنا نذكر الباخرة التجارية المكسورة التي جنحت، وأطلقت صافرات نداء الاستغاثة، والتي جنحت، وغرقت حينما اقتربت كثيرًا من شاطئ بحر مخيم الشاطئ الشمالي في مدينة غزة؛ وقد هَبْ سكان المخيم من البحارة الأبطال ودخلوا البحر مُسرعين لنجدة البحارة الأجانب، وأنقذوهم من الغرق؛ وبعد عدة سنوات كانت هناك ارهاصات تؤشر لبدء انتفاضة الحجارة الأولى؛ بسبب قيام عصابة جيش الاحتلال في ثمانيات القرن الماضي بعمليات استفزاز، وازلال للسكان، وضرب بعض المواطنين في شوارع غزة؛ حتى جاءت حادثة سائق المقطورة مُستوطن صهيوني المجرم الذي تعمد قتل مجموعة من العمال الفلسطينيين دهسًا عام 1987م، فاستشهد أربع عمال فلسطينيين على حاجز بيت حانون ” معبر إريز ” الاحتلالي؛ وهم: الشهيد طالب أبو زيد (46 عاما) من المغازي والشهيد عصام حمودة (29 عاما) من جباليا البلد، والشهيد شعبان نبهان (26 عاما) من جباليا البلد، والشهيد علي اسماعيل (25 عاما) من المغازي؛ وجميعهم رحمهم الله عمال كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل، لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيين!؛ واندلعت على أثرها شرارة انتفاضة الحجارة الأولى في الثامن من شهر ديسمبر في مخيم الثورة جباليا، وكان أول شهيد في المخيم برصاص الاحتلال النازي هو الشهيد: “حاتم السيسي” ؛ ومن تم اشتعل ضد المحتلين المجرمين مخيم البطولة مخيم الشاطئ وقدم الشهيد الثاني في الانتفاضة، وهو الشهيد: “رائد شحادة”، وهبت كل فلسطين ضد الاحتلال، وصولاً لعقد اتفاقية السلام ، والتي كانت صعبة المخاض عام 1993م. وتمضى بنا الذكريات، وصولاً لانسحاب، وخروج عصابة قوات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة؛ وبعد ذلك بعامين حدث الانقسام الفلسطيني البغيض، والذي يعد النكبة الثانية للشعب الفلسطيني؛ ومن ثُم كان حصار صهيوني خانق لسكان قطاع غزة تواصل لمدة ثمانية عشر عامًا حتى اليوم!؛ تعرضت مدينة غزة خلال تلك السنوات العجاف للعديد من العدوان الصهيوني الوحشي المتكرر أكثر من خمس مرات!؛ ولكن كل تلك الحروب السابقة كان أكثر فترة تستمر فيها الحرب على غزة مدة لم تزيد عن واحد خمسين يومًا؛؛؛ حتى جاء يوم السابع من أكتوبر 2023م!؛ وكان بعدها نكبة النكبات التي حلت على الشعب الفلسطيني في غزة على مدى سنوات نضاله الطويل المستمر منذ حوالى قرن من الزمان؛ حيث تواصل العدوان الصهيوني الإجرامي على غزة منذ يوم السابع من أكتوبر حتى اليوم!؛ وذلك بعد مضي زُهاء عام، ونصف من حرب الإبادة الصهيوني الوحشية الإجرامية على الشعب الفلسطيني، والذي تكبد فيها ما يقارب مائة وخمسون ألف ما بين شهيد، وجريح، وأسير، ومثلهم تقريبًا غادروا وسافروا من غزة، أغلبهم من التجار، أو الأغنياء، وذلك عبر التنسيق، ودفع كل واحد منهم، لهُ، ولأسرته ألاف الدولارات لشركة يا هلا المصرية للسفر من معبر رفح البري، وذلك قبل احتلال معبر رفح!؛ ولا يزال حتى اليوم ثلاثي الموت ـــــــ البرد، والجوع، والقصف ـــــــــ يخطف أرواح الشعب في غزة، والعالم يقف مُتفرجًا، أو مُتعاطف مع غزة كأغلب العرب، والمسلمين، وذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي!.
لقد ماتت الإنسانية، ومات الضمير الإنساني، وهُم يشاهدون مدينة غزة وشعبها يقصف، وتُدَّكْ المدينة، وتباد عن بكرة أبيها، وتنسف كل البيوت، ولم يتبقى حجر على حجر في غزة، وصارت عبارة عن مدينة من الأطلال وهم يتفرجون!؛ وتتواصل الأهوال، وجرائم عصابة الاحتلال، وأما حال شعبنا المكلوم في غزة المنكوبة المحتلة اليوم فلا يُحكىَ، ولا يُشَكى ولا يُبكى!!؛ فالمصاب جلل، لأن تواصل القصف، والبرد، والمرض، والجوع قض مضاجعهم للنازحين، وقد توقفت عجلة الحياة في قطاع غزة، فلا تعليم، ولا مدارس، ولا جامعات، ولا مستشفيات، ولا علاج!. وحسبنا الله ونعم الوكيل، فحال الشعب في غزة لا بواكي لهم؛ ولكننا حسبُنا على ربنا، ونرجو من الله عز وجل أن يجزي شعب غزة جميعًا على صبرهم على الصبر جنات، ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يدخلهم الجنات دون سابقة حساب أو عذاب؛ وأخيرًا مهما طال ليل العدو الغاشم الطاغية الظالم، ومهما دمَرْ وأزال، وقصف أغلب المباني في غزة، وحَولها لمدينة أشباح، وأطلال من الماضي!؛ فلن نرجل، وسوف نعمرها بإذن الله، ويومًا ما قريبًا غير بعيد سوف يبزغ فجر يوم جديد تنطفأ فيه نار الحرب، ويزول هذا الظلم، والإجرام الصهيوني الوحشي؛ والله فعالٌ لما يُريد، وأمره كن فيكون، وقادر على كل شيء؛ ولسوف تبقى فينا الجراح نازفة من سويداء قلوبنا، وذلك بعدما فقدنا ألاف الشهداء الأبرار الأحباب على قلوبنا، وهُم من خيرة أبناء شعبنا؛؛ ” ويتخذ منكم شهداء”؛ يختار سبحانه الخِّيِرة الَخَيَّرةْ؛ وإننا لن، ولم ننساهم، والملتقى مع الشهداء في الجنة إن شاء الله؛؛ وأما هذا العدو الصهيوني الحقير المجرم الفاجر نقول لهم ما قاله الشاعر الكبير الراحل محمود درويش: ” حاصر حصارك بالجنون وبالجنون وبالجنون .. ذهب الذين نحبهم ذهبوا فإما نكون أو لا نكون”؛ وكما قال الشهيد القائد الرئيس أبو عمار : “هبت روائح الجنة”؛ ونختم بالذي هو خير؛ قوله سبحانه وتعالى: ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ”..