أمد/ “كل شاعرة فلسطينية هي “خنساء” بحد ذاتها..”

 

الشعر الحقيقي هو “الدهشة التي لا يثيرها الكلام العادي”.

 

المرأة الفلسطينية “تصنع الجنة وهي تحيا في جحيم الاحتلال”،وأن التوثيق الشعري هو توثيق عاطفي لكون إنساني مختزن بالآمال والألم..

 

إطلالة على الأدب والشعر الفلسطيني لا تكتمل دون تسليط الضوء على إسهامات الشاعرات الفلسطينيات الحديثات،اللواتي استطعن بجدارة أن يخلقن مساحات تعبيرية جديدة،تجمع بين أصالة القضية وحداثة التعبير،مع الحفاظ على الهوية الوطنية في قلب تجاربهن الإبداعية..

هؤلاء الشاعرات الفلسطينيات المعاصرات يأتين من خلفيات متنوعة(داخل فلسطين،المخيمات، الشتات..)، ويتميزن بمنظور جديد يجمع بين الذاتي والجماعي،والواقعي والرمزي..وقد لا أبالي إذا قلت أنهن يعلمن كيف تكون الكرامة،وكيف نضحي من أجل مقدساتنا،بعد أن اختفت النخوة لدى الكثير من أبناء الأمة العربية

والإسلامية،لأسباب عديدة،أبرزها سيطرة الأنظمة المستبدة على كل مقدرات الشعوب،وسعيها الحثيث لتجفيف منابع الخير والأمل لدى الشعوب،بما تمارسه من كبت وقتل واعتقال،وتكميم للأفواه،ومحاربة كل من لديه بارقة أمل في المستقبل المشرق لأمة تمتلك كل أدوات التقدم في المجالات المختلفة..

وفي سياق النضال الفلسطيني،لم يكن الشعر مجرد تعبير جمالي،بل كان سلاحاً مقاومًا ووسيلة توثيق وهوية.والشاعرات الفلسطينيات نجحن في تحويل المعاناة اليومية إلى قصائد تخلد القضية وتجسد الصمود،متحديات المجتمع الذكوري والاحتلال الإسرائيلي،ليصبحن صوت فلسطين المدوي الذي ينتصر للقضية بأشعارهن ومواقفهن البطولية.فالشاعرات الفلسطينيات لم يكتبن الشعر للجمال فقط،بل جعلن من القصيدة وسيلة للمقاومة والتوثيق والبقاء عبر التاريخ،ومن الرائدات مثل زليخة الشهابي** إلى المعاصرات مثل الأستاذة عزيزة بشير استمرت المرأة الفلسطينية في انتصارها للقضية بأشعارها ومواقفها،لتثبيت أن القلم يمكن أن يكون بنفس فاعلية السيف..

وهنا أقول:الشاعرات الفلسطينيات الحديثات على غرار الأستاذة عزيزة بشير،لا يكتبن الشعر فقط،بل يخلقن فضاء إبداعيا يجسد تحولات الذات والواقع الفلسطيني في ظل ظروف معقدة. وبإمكاناتهن الإبداعية،يستطعن مواصلة دور الأدب كـ”كلمة مقاتلة” تحافظ على الهوية وتفتح آفاقا جديدة للتعبير..

والشاعرة الفذة الأستاذة عزيزة بشير هي شاعرة فلسطينية مغتربة،أصيلة مدينة جنين الشامخة،وتعتبر واحدة من الأصوات الشعرية المؤثرة في المشهد الأدبي الفلسطيني والعربي.تتميز أشعارها بالعمق الإنساني والروحي والتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو الحرية والعدالة.

 تكتب قصائدها عن فلسطين بمداد الروح،ومن موقع الاغتراب والحنين إلى وطن يلتحف الدياجير في زمن الهزائم والانكسارات.تعلقت بالكلمات وعاشت معها متلازمين كحالة عشقية سرمدية،مما منح شعرها عمقًا وجوديًا واستثنائيًا..

هذا الشاعرة المغتربة ( أعزيزة بشير) يتميز شعرها بـالتكثيف والرمزية،حيث تستخدم صورًا شعرية قوية وبلاغة لغوية متميزة.قصائدها ليست مجرد كلمات منمقة،بل هي نبض قلب مباشر ينبض بالألم والحنين والغضب والأمل والكرامة،والرفض والتحدي..هذا الصدق الفني يخترق حواجز اللغة والثقافة،يخاطب القلوب مباشرة ويداعب الوجدان..

وكنت أشرت في دراسة سابقة إلى أن قصائد الأستاذة عزيزة بشير،تجد صدى واسعًا بين القراء إقليميا وعربيا،وهذا التفاعل هو دليل على قوة تأثيرها،حيث تمنح القضية الفلسطينية صوتا شعريا مؤثرًا يحول الإحصائيات والأخبار إلى مشاعر وأحاسيس إنسانية يسهل التعاطف معها.

وإليكم هذه القصيدة لشاعرتنا السامقة الأستاذة عزيزة بشير حاثا إياكم على التفاعل معها فنيا،حين يختمر عشب الكلام:

 

ما شاء الله !

 

هِيَ ذي الإرادةُ رغْمَ كلِّ إبادَةٍ

هِيَ ذي العزيمةُ بارِكوهَا وَكبِّروا

 

أدرَكتُ أنّ لِغزّةٍ وَلِشعبِها

رغْمَ الإبادةِ ، قوّةً …..….لا تُقهَرُ

 

أللهُ  أكبَرُ  يا  إلٰهِي  توَلَّهُم

فَصِغارُ غزَّةَ جُرِّحوا…وتَمَرْمَروا

 

شكراً لِربِّ العالمينَ أقولُها

ولِمَنْ قضى بالمهرجانِ….  أعَبِّرُ

 

جازاكموا ربُّ البريّةِ خيْرَهُمْ

فعَسى  قُلوبُهُمُ الكسيرَةُ ،تُجْبَرُ

 

وعَسى بأفراحٍ ،تُجدِّدُ  فيهِمو

أمَلاً  بِعَيشٍ والحَياةُ …….تُصوّرُ

 

فاللهُ معْكُمْ، ناصراً ومؤيِّداً

افْلِسطينِي أقسَمَ والشّعوبُ تُناصِرُ

 

غزِّيُّ أقسمَ بالتّرابِ  وَبِالدِّما

وبِرَبِّهِ قبلَ الجميعِ،….سَيُنصَرُ

ويُحرَّرُ!

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب،إذا قلت أن قصائد أعزيزة بشير،تجري عمليتها في جسد الواقع الفلسطيني،حيث استطاعت هذه الشاعرة الثورية أن تخلق حالة من الانسجام الرمزي بين الرمز ومدلوله،وخلق حالة من الاستغراق في الحالة الشعرية التي تشف عن الواقع المؤلم،فكان هذا التوازن بين اللفظة ومدلولها،وهذا التوازن بين الكلمة أو الجملة الشعرية المكتوبة،وبين الجملة البيضاء التي لم تعبر عنها الشاعرة بالكلمات وإنما كانت مضمرة ليشكلها القارئ كما يريد،لكن بالنتيجة لابد وأن يكون النص المنتج نصا يشف عن روح شاعرة بارعة في صياغة جملتها الشعرية، بشفافية تكفي لأن نرى من خلالها نبضات قلبها وهي تتألم مما يحدث على أرض ينتفض فيها الزعتر والإكليل وغصن الزيتون والحجارة الصماء..ودم شهداء ما هادنوا الدهر يوما،وحملوا على ظهورهم أكفانهم،بجسارة من لا يهاب لسعة الجلاد..

قبعتي يا عزيزتنا..الشاعرة أعزيزة بشير

 

 

شاركها.