أمد/ تطرح مسألة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني في مدينة طولكرم بالضفة الغربية نفسها اليوم بوصفها تهديدا بات يستهدف الوجود الفلسطيني برمته في المنطقة، فمع تصاعد الاعتداءات اليومية التي ينفذها جيش الاحتلال والمستوطنون على حد سواء، بات الأمر واضحا جدا بأنها سياسة ممنهجة تقوم على القمع والاقتلاع وفرض وقائع أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي.

وتتجلى هذه الاعتداءات في أنماط متكررة تشمل مصادرة الأراضي، وإتلاف المحاصيل الزراعية، لا سيما أشجار الزيتون التي تمثل ركنا في الهوية الوطنية الفلسطينية، حيث أقدمت على اقتلاع الأشجار وتدمير السواتر الرملية في مساحة تتجاوز 200 دونم بطولكرم فقط، بدعوى احتمال استخدام تلك الأراضي كملاجئ للمسلحين، وفقاً للرواية العسكرية، في خطوة أثارت استياء سكان المنطقة.

إن مدينة طولكرم وقراها الكثيرة مثل فرعون وشوفه وعنبتا وكفررمان وبيت ليد وبلعا وعكابة وكور وغيرها، تشكل نماذج دالة على حجم الاستهداف الممنهج الذي يتراوح بين اقتحامات المستوطنين المسلحة تحت حماية الجيش، وحملات منظمة لاقتلاع عشرات آلاف الأشجار، ما يندرج ضمن سياسة الإخضاع ودفع السكان إلى الرحيل القسري. والحملة الأخيرة على قرية المغير مثال واضح، إذ تحولت إصابة طفيفة لأحد المستوطنين إلى ذريعة لعملية عسكرية واسعة ضد القرية وسكانها وأشجارها.

ولا يقف الأمر عند حدود القرى والأرياف، بل يمتد إلى استباحة مراكز المدن جهارا نهارا، بما يؤكد أن العمليات التي استهدفت طولكرم لم تقتصر آثارها على الجانب الأمني فقط، بل امتدت لتطال البيئة والقطاع الزراعي، حيث أُزيلت عشرات الأشجار المثمرة التي يعتمد عليها السكان المحليون كمصدر رزق رئيسي، ما ينذر بخسائر اقتصادية مباشرة للأهالي.

كما أن اقتلاع الأشجار، إلى جانب تدمير التربة والبنية الطبيعية، يُخلّف آثاراً بيئية طويلة الأمد، تهدد بتصحر الأراضي وتراجع قدرتها على الإنتاج في المستقبل، فيما الخشية الأكبر هي من تعبات هذه الخطوة، التي تنعكس على حياتهم اليومية وأمنهم الغذائي. فالزراعة تشكل ركيزة أساسية في صمود المجتمع الريفي، وإضعافها يُفاقم من التحديات المعيشية التي يعانيها المواطنون في ظل الظروف الصعبة. إضافة إلى ذلك، فإن تدمير السواتر الترابية يرفع مستوى المخاطر الأمنية على الأهالي، ويتركهم أكثر عرضة لتوترات ميدانية متكررة.

ولا يمكن قراءة هذه الإجراءات إلا أنها تأتي في سياق أوسع من سياسة “الأرض المحروقة” التي تعتمدها سلطات الاحتلال في مناطق مختلفة، بحجة محاربة البنية التحتية المسلحة، غير أن الانتقادات تتصاعد لكون مثل هذه القرارات تعاقب السكان جماعيا، وتضر بمقدراتهم المدنية دون أن تحقق استقرارا حقيقيا على الأرض.

ورغم الخسائر الجسيمة التي مُنيت بها المنطقة، إلا أن الواقع يثبت تمسك الأهالي بأرضهم وحقهم في إعمارها مجددا، فالأرض ليست مجرد مصدر رزق، بل هي عنوان وجود الشعب الفلسطيني وهويته.

وبينما يحاول الاحتلال فرض واقع جديد على الأرض، يبقى صمود الناس وتمسكهم بحقوقهم أحد أبرز أشكال المقاومة اليومية، وهذه طبيعة الشعب الفلسطيني، الذي يعكس إرادة إيمانية حقيقية لا يمكن إخمادها، ويثبت للعالم أن الكرامة لا تُشترى، بل تُكتسب من خلال صموده على أرضه دون تنازل عن ذرة تراب.

شاركها.