أمد/ ذات يومٍ عندما طرق أحد جوارنا الباب وقال بأن حمامةً له حطَّت على سطحنا، فطلب أبي منّي أن أعتلي السطح وأجلب له الحمامة، توقَّفتُ ونظرتُ إليه، فكرّر عليّ القول كي أذهب، لكنّني لبثتُ واقِقاً أنظر إليه تارةً وإلى السقف تارةً أُخرى، ورأيته هو الآخَر يمعن النظر إليَّ، وبعد لحظاتٍ، خرج إلى الحوش، عندها، هرعتُ إلى السطح وجلبتُ الحمامة، لأنّني ما تخيَّلتُ أن أعتلي سطحاً وأبي تحته.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

لا تكُن إمَّعة يا وَلَدي، لأنَّك إن فعلتَ ذلك مرّة، فستبقى إمَّعة طوال حياتك مع الناس، عندما لا تقتنع بكلامي؛ ناقشني فيه، ربما أكون على خطأ، قل لي رأيك، لعلك ترى ما لا أراه.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

تلك اليد الرحيمة، كم حَمَلتْ لي احتياجاتي، كم أفرحَت قلبي، كم حَمَلَتني، وقطعتْ بي الطرقات، كم مسَّدت على شعري، تلك اليد التي لا يد تشبهها في هذا العالَم، يدُ أبي.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

أبي الذي أشعر بأنّه جبلٌ أستند بطمأنينةٍ لا متناهيةٍ إليه، يحميني من أعتى المخاطر التي يمكن أن أتعرَّض لها، يبذل كل ما بوسعه لتأمين احتياجاتي، أحياناً ينتابني شعورٌ بأنّني أبي الصغير، أو أنّني نسخةٌ مُصغّرةٌ عَنه.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

أذكر أنّه ذات مرَّةٍ تحدَّث لنا عن الفيل وعن حجمه الكبير، وكيف أنّه يكون شديد الحرص كي لا يدوس على حيوانٍ صغير قد يعترض طريقه، ولذلك عندما يُنقَل في الطائِرة، فإنَّهم يضعون حوله بعض الكتاكيت حتى لا يتحرّك، لأنّه عند ذاك قد يخل بتوازن الطائرة، فيبقى الفيل واقفاً في مكانه دون حراك حتى لا يدوس الكتاكيت المنتشرة حوله.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

الآنسة سديم كانت صريحة وحقيقيّة إلى أبعد حدّ، وتقول لنا بأن الإنسان إذا انحرف عن طبيعته، فسوف يختلّ به التوازن في الحياة، وكانت تقول لنا بأنّها معجبة بموقف إحدى النساء عندما قالت بأنها لن تسمح لأحدٍ أن يُزيل التجاعيد عن جبينها، لأنها نتيجة دهشتها أمام جمال الحياة، أو تلك المحيطة بفمها، لأنّها تُظهر كم أنّها ضحكت، ولا تلك البقع السوداء تحت عينَيها، لأنّ خلفها تختبئ ذكريات أحزانها وبكائها، وأنّها سوف تُبقي على ملامحها الطبيعيّة لأنّها دلالة على تجاربها العميقة في الحياة.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

أدركتُ بأن فراق البيت، لا يقل ألماً عن فراق مَن في البيت، البيت الذي يحتوي على تفاصيل اللحظات الحزينة، والسعيدة، تفاصيل لحظات الضحك، والبكاء، المرض والعافية، السهر والنوم. يلتصق المرء في بيته كما يلتصق بِمَن في البيت، لذلك عندما ينتقل إلى بيتٍ جديد، يشعر بغربةٍ حتى يتآلَف مع البيت الجديد.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

راودني شعورٌ بأن الشمس لا تشرق إلّا على مَن تشرق شمسُ قلبه أوّلاً، فإن لَبِثتْ شمسُ قلبه في غروب، فلن تشرق عليه الشمس حتى لو سطعت على الكون ألف مرَّة.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

مَن ينجح بالغش، فسوف يحصل على شهادة مغشوشة، ويضع أساساً مغشوشاً لمُستقبله، ويبقى طوال عُمره يعمل على أساسٍ مغشوش.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

كل خطوة أخطوها تحثّني على أن أكون بصمةً، على أن يكون لي أثري الخاص بي، وألّا أكون رَقَماً هامشيّاً في دوائِر الإحصاء.

رواية الفتى اللامرئي عبد الباقي يوسف

شاركها.