استفزازات جديدة آتية من فرنسا
تستمر الاستفزازات الآتية من الضفة الأخرى والاستعمالات السياسوية للتاريخ بين الجزائر وفرنسا، في شكل دعوات إلى إلغاء أو مراجعة اتفاقية التنقل والهجرة الخاصة بالجزائريين لسنة 1968، آخرها تصريحات رئيس الحكومة الأسبق وزعيم الحزب السياسي “لوريزون” المتأسس في 25 مارس الفائت، لتتراكم على سابقاتها من تيار اليمين المتطرف الذي تبرز فيه ماري لوبان بكل حقدها وحنقها على كل ما هو أجنبي في بلادها، متناسية ماضيها الاستعماري ومخلفاته المدمرة على قدرات ومقدرات الجزائر والكثير من الشعوب الإفريقية.
ولا يرى أول رئيس حكومة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حرجا في القول بضرورة إلغاء الاتفاقية ولو تسبب القرار في إثارة أزمة كبرى مع الجزائر وقطع العلاقات بين البلدين، في تصريح غريب يصدر عن رجل في مستوى رئيس حكومة أسبق يفترض أن تتوفر فيه أدنى شروط اللباقة السياسية، والقدرة على معالجة المسائل عبر التصورات والقنوات السياسية والدبلوماسية، وليس بمقترحات متهورة ومتسرعة وعديمة الحكمة والعقل.
ويلتحق فيليب بمجموعة من الشخصيات السياسية الفرنسية من تيار اليمين التي تدعو لإلغاء الاتفاقية أو إحداث تعديلات جوهرية فيها على مستوى الجمعية الفرنسية، محدثين جدلا وانقساما في الشارع الفرنسي بين من يعتبره إفلاسا سياسيا، ومن يراه مطلبا يحظى بقبول قطاع واسع من الفرنسيين ويتعين فتح النقاش حوله.
وقال فيليب، المرشح المحتمل للرئاسيات الفرنسية سنة 2027، في حوار له مع قناة “تي أف 1″، إن نص اتفاقية 1968 “لم يعد منطقيا العمل به في سنة 2023″، مطالبا بإلغائه حتى بالتضحية بالعلاقات الدبلوماسية مع الجزائر.
ويتحجج السياسي بطبيعة سياق التوقيع على هذه الاتفاقية واعتباره “مختلفا تماما”، مشيرا إلى أنه كان هناك في ذلك الوقت “نمو اقتصادي قوي.. ورغبة في تنظيم وصول المواطنين الجزائريين إلى فرنسا”، في إشارة إلى أن فرنسا كانت بحاجة إلى يد عاملة رخيصة لبناء اقتصادها وبنيتها التحتية التي تظهر اليوم في أبهى صورتها. ويتابع فيليب تبريراته “اليوم بعد 55 عاما، علاقاتنا مع الجزائر لم تصبح طبيعية بسبب ثقل التاريخ، بينما ضغط الهجرة هو جزء من منطق مختلف عن ذلك الوقت”، مقترحا طريقة تفاوض ممكنة بالقول “يمكننا أن نقول للحكومة الجزائرية إنكم تدافعون عن مصالحكم، ولديكم عقباتكم وهي محترمة. ونحن أيضًا نحترم مصالحنا وقيودنا”.
ومن الشخصيات التي انضمت إلى هذا التوجه السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر كزافييه دريانكور، حيث اعتبر خلال حديثه إلى مجلة “لوبوان” الفرنسية أن الاتفاق مفيد أكثر للجزائريين، مطالبا باريس بمراجعته من أجل “تنظيف علاقتها مع الجزائر” حتى لو تطلب الأمر “المخاطرة بأزمة دبلوماسية”.
وسبق أن تصاعد النقاش في فرنسا حول الهجرة مع اقتراب تقديم قانون جديد ينظمها، حيث يضغط اليمين الفرنسي على الحكومة لتشديد القوانين الخاصة بالقادمين من شمال إفريقيا وإلغاء اتفاق الهجرة المبرم عام 1968 في إطار اتفاقيات إيفيان، والذي يمنح امتيازات تفضيلية للجزائرين، في خطوة يرى محللون أن عواقبها ستكون وخيمة وقد تتسبب في توتر سياسي واقتصادي يضع العلاقات بين البلدين على المحك من جديد.
وتخص اتفاقية 1968 الجزائريين بامتيازات، منها حصولهم على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات فقط من الإقامة مقابل 5 سنوات للآخرين، وحق الجزائري المتزوج من فرنسية في الحصول على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج، وغيرها من الامتيازات، كما تعطي الاتفاقية للجزائريين حق التمتع بنظام خاص يسهل دخولهم إلى التراب الفرنسي، ويمنحهم حرية الاستقرار فيها لمزاولة التجارة والعمل أو الدراسة من دون صعوبات.
واستغرب مراقبون هذا التوجه في فرنسا بالقول إنه في الوقت الذي تفقد فيه فرنسا نفوذها في إفريقيا وخاصة في دول الساحل، كان من الواجب عليها الإبقاء على سبل تأثيرها الثقافي على الشعوب الإفريقية، ومن بينها امتيازات الهجرة.
ويرى محللون أن الاقتصاد الفرنسي لا يمكنه الصمود دون مساهمة اليد العاملة المهاجرة، وأن الحملة تصاعدت حدتها بسبب المتاعب الاقتصادية والمالية التي تعانيها باريس كارتفاع الدين العام ومشكلات صناديق التقاعد.
وأكد السفير الفرنسي السابق أن “أحكام الاتفاق باهظة، ولا توجد إمكانية للتحايل عليها طالما أن الاتفاقات الدولية لها الأسبقية على القانون، منبهاً إلى أن الأمر يبدو كما لو أن قوانين الهجرة الفرنسية لا تنطبق على الجزائريين”.
محاولات سابقة فاشلة
ويأتي مطلب دريانكور على الرغم من يقينه بخطورة دعوته إلى مراجعة اتفاقية 1968 على العلاقات الثنائية المتذبذية، ففي وقت سابق وصف دريانكور تباين وجهات النظر بين الجزائر وفرنسا بشأن اتفاقية 1968 بالسلاح النووي، وحذر من أن أي معالجة لهذه القضية بعيدا عن الحوار المسؤول من شأنها أن تؤدي إلى إعادة العلاقات بين البلدين إلى مربع البداية.
من جانبه، قال الصحافي المختص في الشأن الفرنسي محمد بوشيبة، في تصريح سابق لـ “”، “إن من ينادي بهذا الطلب هم اليمين المتطرف وبعض السياسيين من اليمين الوسطي الذين يرون أن هذه الاتفاقية تعطي الأفضلية كثيرا للجزائريين في فرنسا”، معتبرا أنه “لا يمكن للحكومة الفرنسية التراجع عن هذه الامتيازات لأنها تدخل في إطار اتفاقية دولية بين بلدين تستلزم إعادة التفاوض، ولا يمكن لفرنسا أن تتخلى عنها من جانب أحادي لأن هذا سيخلق توترا دبلوماسيا بين البلدين”.
من جانبه، يرى عضو حزب “الجمهورية للأمام” في فرنسا توفيق قويدر شيشي أن “دعوات اليمين المتطرف لمراجعة اتفاقيات إيفيان ليست بالجديدة، فطالما دعت لها مارين لوبان وقبلها لوبان الأب، وكذلك ماريو ماريشال لوبان الحفيدة وجوردان بارديلا الزعيم الجديد للتجمع الوطني، وكذلك إريك زمور، وذلك لكونها من منطلق قناعتهم تخدم الجانب الجزائري ولا تخدم فرنسا”.
وذكر المتحدث في اتصال سابق مع “” أن نيكولا ساركوزي قال بدوره، عندما كان رئيسا للجمهورية، إنه لا مناص من إعادة التفاوض حول الاتفاقية وطرح كل الملفات على الطاولة، وتقليص بعض الحقوق التي يحظى بها بعض الجزائريين، خاصة الإقامة التي تقلق اليمين المتطرف، لكن ذلك لم يحدث.